وجه المسيح الضائع! – القس ربيع طالب

القس ربيع طالب

رئيس تحرير النشرة، أمين سر لجنة الإعلام والنشرة في السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان، وراعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في علما الشعب

النص الكتابي: لوقا 24: 13-35
كان رجل ذات يوم جالسًا في الصباح أمام نافذة منزله وفي يده جريدة يقرأها، وعلى الطاولة الصغيرة فنجانًا من القهوة. ما هي إلّا لحظات من الهدوء، حتى استيقظ ابنه الصغير، وجاء مباشرة إليه وبدأ يركض ويلعب ويصرخ، حتى أنه حاول أخذ الجريدة من والده مرّات عديدة. فبعد أن حاول الوالد تهدئته بعدة طرق من دون جدوى، فتح الجريدة على صفحة فيها خريطة العالم، وشقّها وقسّمها لقطع صغيرة، ثمّ طلب من ابنه جمع الصفحة. قائلًا في نفسه، هذه المهمة ستُلهي الصبي لوقت طويل…
وما هي إلّا 5 دقائق، حتى جاء الولد لوالده قائلًا: لقد أتممت المهمة يا أبي. انصدم الوالد جدًا وقال بصوت مرتفع: “من علّمك الجغرافيا! كيف عرفت تجميع الخريطة بهذه السرعة؟”
ردّ الابن عليه: أنا لا أعرف الجغرافيا، ولا خريطة العالم، لكنّ الوجه الثاني من الورقة عليه وجه رجل، جمعته فعرفت العالم!
كم أضاع الناس من وقتهم في محاولتهم فهم العالم والحياة… وبلحظة رأوا وجه المسيح وتعرّفوا عليه، فرأوا العالم كلّه بأعين جديدة.
عالم بطرس والتلاميذ والنسوة والمؤمنين تغيّر للأبد، بعد أن رأوا وجه المسيح!
اليوم في قصة الطريق إلى عمواس، تبدأ القصة باثنين من التلاميذ كانا منطلقين الى قرية بعيدة عن أورشليم، اسمها عمواس. يذكر لوقا اسم تلميذ من الإثنين وهو كليوباس. لكن من هو كليوباس؟ بحسب إنجيل البشير يوحنا الآية 19: 25 “وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ.” واحدة من المريمات القريبات من يسوع، كانت مريم زوجة كلوبا، وهذا نفس اسم كليوباس.
لكن بكل الأحوال، انظروا للتلميذين وهما يسيران في الطريق إلى عمواس. هما تركا أورشليم بعد حدث القيامة مباشرة! وهذا دليل على فقدانهما الرجاء والأمل بيسوع المسيح كما قالا في الآية 21 “وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ.”
يصف لنا البشير لوقا أيضًا حالتهما في الآية 17 «مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟»
كما يذكر لوقا الأحداث وكأنّ المسيح هو الضائع، فأين هو والقبر فارغ؟ لكن إذا دقّقنا في الآيات جيدًا سنُدرك أنّ العكس صحيح. فلو لم يأتِ المسيح وراء تلميذي عمواس كمجيء الراعي الصالح وراء الخروف الضال، كيف كانا سيعودا لأورشليم؟ كيف كانا ليؤمنا بالقيامة؟
يسوع ذهب معهما في طريقهما وليس طريقه، من أجلهما وليس من أجله. سار معهما في طريقهما وعلّمهما طوال الطريق، سمع منهما وأصغى إليهما، كما ردّ وتكلّم معهما. هما ظنّا أنّ يسوع ضائع، وهو يمشي معهما في الليل، ليُعيدهما في النهار.
برحلة الطريق هذه نحاول فهم العالم وحياتنا بمنطقنا وحججنا ومعلوماتنا. لكن أخيرًا، عندما وصلوا للبيت، لمكان لا يريد يسوع فرض نفسه عليه، فلا يدخل دون دعوة أهل البيت. لكن في هذا المكان سيكتشف التلميذان الحقيقة، ويريا وجه المسيح!
لو لم يقولا له: «امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». لذهب يسوع، وانتهت القصة في غريب مشى معنا في الطريق.
إنّ قيامة المسيح ليست مجرّد حدث، إنها فرصة لنرى وجه المسيح، لنرى جوهر الله في يسوع. إنها فرصة لنجمع قطع إيماننا الصغيرة فنكتشف حياتنا حين نكتشف المسيح، لنرى العالم بأعين جديدة حين نرى يسوع. الكل عرف قصة القيامة، لكن ظلّ يسوع ضائعًا بالنسبة لهم.  لمّا دخل يسوع البيت وكسر الخبز وناولهما، انفتحت أعينهما وعرفاه! عندما عرف تلميذا عمواس يسوع تغيّر كل شيء! كما عندما عرف التلاميذ يسوع واختبروا القيامة، تغيّروا للأبد.
اليوم فلندعه للداخل، لنقل له ادخل يا رب وامكث هنا، وعندها سنختبر كتلميذي عمواس: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟». القلب المُلتهب هو المطلوب يا أحبّة، قبل القبر المُلتهب، قبل النور في القبر. يكفينا أن يلتهب الإيمان في قلوبنا، فنرى المسيح، ونُدرك أنّه معنا في كلّ حين حتى وقت ظننّاه ضائعًا منّا … آمــــــين

اترك تعليقاً