عندما نُشبه الموبايل! – القس ربيع طالب

Image

النص الكتابي: متى 9: 14-17
سألت مرّة جدتي سؤالًا وهو: ماذا كنتِ تفعلين بطفلك حين تذهبين للعمل في الأرض أنت وجدي؟ فقالت لي: كنت أترك الطفل بعد أصنع له من قطعة خيش وحلقوم ما يتسلى به.
لكل زمن أساليبه! كم من الأمور كنّا نفعلها وكانت صحيحة جدًا، فأصبحت مُضحكة اليوم. طريقة جدتي كانت صحيحة بالنسبة لزمنها، حتى أن كل نساء المنطقة كنّ يعملن ذلك، لكن بعدما تغيّر الزمن اختلفت الأمور.
خلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن NOKIA التي تم شراؤها من قبل MICROSOFT ، أنهى الرئيس التنفيذي لنوكيا كلمته قائلاً: “نحن لم نفعل أي شيء خاطئ، لكن بطريقة ما، خسرنا.” وبمقولته هذه، بكى كل فريق الإدارة بمن فيهم هو نفسه. نوكيا لم تفعل شيئا خاطئًا في أعمالها ولكن العالم تغير بسرعة كبيرة. غاب عنهم التغيير، وبالتالي فإنها فقدت فرصة ثمينة كانت في متناول اليد لتصبح شركة عملاقة. ليس فقط فاتتهم فرصة لكسب المال الوفير، ولكنهم فقدوا أيضاً فرصتهم في البقاء على قيد الحياة!
بطريقة أو بأخرى نحن كأجهزة الموبايل التي لدينا، وكما كنّا نسأل: لماذا بَطُؤَ هذا الموبايل الذي اشتريته سريعًا؟ نسأل أيضًا لماذا نتعب بسرعة، لماذا لا نتحمّل كلمة من أحد، لماذا أصبحنا أقل إنتاجية؟ …
بالنسبة للموبايل، إذا أخذناه لمُختص في الأجهزة لتسريعه، سيقوم بثلاث خطوات أساسية:
1.      تحديث النظام! كل جهاز يعمل على نظام معيّن، لكن الذي لا نتنبّه له، هو حاجة الموبايل للـ Update. لن يعمل الموبايل جيدًا وهو لا يزال على أندرويد 4، علينا تنزيل الإصدار الأجدد. فالكثير من التطبيقات لا تعمل على الإصدارات القديمة.
نحن بحياتنا الشخصية نُصرّ على العيش بنفس الإصدار. نُغيّر صورة الخلفية، وبعض البرامج، لكننا نحتفظ بنفس النظام. نفس طريقة التفكير والعيش نستمر بها في كل الأزمنة والعصور، لا نتغيّر.
تلاميذ يوحنا المعمدان حين جاؤوا ليسوع يشتكون على تلاميذه الذين لا يصومون. ردّ المسيح عليهم بكلمات وكأنه يقول لهم: نحن اليوم بعصر جديد. إنه ليس عصر المعلمين كيوحنا المعمدان، ولا عصر الأنبياء، إنما عصر العريس، عصر الرب. لا تستطيعوا أن تقبلوا المسيح، وتستمروا بيوحنا. اليوم عصر جديد ويحتاج لنظام جديد. وكما يقول الرسول بولس في رسالته لأهل رومية الإصحاح 12 ” 2 وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.” فالمطلوب ألّا نشاكل هذا الدهر، إنما أن نُجدد أذهاننا لنعرف إرادة الله. أي أننا لن نعرف إرادة الله ونحن متمسكين بتفكيرنا القديم، علاقتنا مع الرب تدعونا لنتجدد ونتغير.
2.      حذف بعض الملفات: بالنسبة للموبايل، كل ملف يُحمّل عليه هو ثقل وعبء، وكلما ازدادت الملفات كلما بطؤ الجهاز. لذلك لا بد من حذف بعضها لإنعاشه. لكن المشكلة أننا أناس يحبون الاحتفاظ ويكرهون الحذف، فحين يمتلئ الجهاز بالملفات، نبحث بدقة عن الصور التي نستطيع حذفها. وهنا علينا التمييز بين المهمة وغير المهمة، لكي نُبقي على المهمة في أجهزتنا. ردّ المسيح على تلاميذ يوحنا هو دعوة لرمي الثوب العتيق، والزقاق العتيقة. هذه الملفات التي لن تُفيدنا بشيء، علينا التحلي بالشجاعة لحذفها، ليكون لنا المساحة الكافية لتحميل ملفات جديدة ومهمة.
حين قال لنا المسيح: ” “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.” (مت 11: 28). كأنه يقول لنا تعالوا وارموا أثقالكم وأحمالكم، ارموا واحذفوا هذه الملفات التي تُضعفكم. هي دعوة لندرك أن الكثير من الهموم والمشاكل التي نحملها على أكتافنا غير حقيقية، إنها Junk Files. فلطالما ندمنا على ساعات القلق التي عشناها، “يا ضيعان ما زعلنا وخفنا، حمّلناها أكثر ما بتستاهل”.
3.      إزالة الفايروسات وتثبيت برنامج حماية: كيف تعرف أنّ جهازك “مُهكّر” وفيه فايروسات؟ عندما تفرغ البطارية في وقت قصير، وعندما تلاحظ أنّ حرارة الجهاز مرتفعة رغم أنك لا تستخدمه كثيرًا.
الفايروسات تجعل الجهاز يعمل حتى وقت الراحة وأنت لست بحاجة له. وهذه حالنا يا أحبة! إننا نُنهَك من أعمال ليس علينا عملها، ومن أثقال ليس علينا حملها… فلننتبه من الفايروسات البشرية، من يزرع فينا اليأس والسلبية، من يحبطنا ويتقصّد تضعيفنا، من يستغلنا ويُسخرّنا لنعمل لمصلحته الشخصية…
إنّ حياتنا مع المسيح تحتاج لبداية جديدة، جدّدوا أذهانكم، ارموا أثقالكم، واحموا أنفسكم… ومن ثمّ اضغطوا على الـ Restart، صلّوا وتأمّلوا، وبعدها عودوا ليس كما كنتم، إنما أقوى وأسرع وأكثر فاعلية. والرب معكم جميعًا، آمين

القس ربيع طالب

رئيس تحرير النشرة، أمين سر لجنة الإعلام والنشرة في السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان، وراعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في علما الشعب

اترك تعليقاً