الحلقة الأولى… مُجدّدًا! (القس ربيع طالب)

Image

النص الكتابي: إشعياء 9: 1-7
هل سبق وأحببتم مشاهدة مسلسل ما، وكلّما انتهيتم من مشاهدة كل الحلقات، تعودون للحلقة الأولى مجددًا؟ أنا شخصيًا لدي الكثير من المسلسلات الأجنبية والعربية التي أتابعها باستمرار.
لكن الأمر المُلفت اليوم أنّنا، ورغم عدم معرفتنا أحيانًا، نبدأ الحلقة الأولى من سلسلة رحلتنا المسيحية! كيف؟
في الروزنامة الكنسية لا تبدأ السنة الكنسية الجديدة بعد رأس السنة، إنما مع أوّل أحد من فصل المجيء. وببساطة فإنّ الأمر أشبه بالقصة:
·       فصل المجيء (نتحضّر لاستقبال المسيح)
·       الميلاد (استقبال المسيح)
·       الغطاس (المعمودية وبدء إرسالية يسوع)
·       الصوم (الرحلة لأورشليم والاستعداد للصليب والقيامة)
·       الفصح (موت المسيح وقيامته)
·       العنصرة (ولادة الكنيسة وحلول الروح القدس)
·       أحد يسوع الملك (آخر أحد في السنة الكنسية، وفيه نُعلن أنّ المسيح يملك على حياتنا)
فاليوم إذا، نبدأ الحلقة الأولى من رحلة إيماننا بيسوع المسيح، بعد أن أنهينا القصة الأحد الماضي بأحد يسوع الملك!
في الكتاب المقدّس نقرأ عن أشخاص أرادوا فعلًا بدء الرحلة ومشاهدة الحلقة الأولى… لكن ردّ المسيح لهم كان غريبًا نوعًا ما، ولعلّه يكون ردّ لنا أيضًا ونحن نبدأ مجددًا في متابعة الحلقة الأولى.
ردّه كان بـ لوقا 14: 28 “وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟”
تعالوا نحتسب نفقة الرحلة اليوم، لماذا علينا أن نبدأ من الحلقة الأولى؟ لماذا نؤمن؟
لطالما اختلفت الناس في السبب وراء اختيار المسيح، والسبب يكمن في النهاية السعيدة التي يرغبونها. فالنهاية السعيدة لمسلسل المسيح بالنسبة لليهود الأصوليون وقت يسوع كان في المسيح الذي يُحارب ويحرّر اليهود من حكم الرومان ويؤسس للدولة القومية اليهودية.
أمّا بالنسبة لشريحة أخرى من اليهود، فالنهاية السعيدة تكمن في تحقيق المسيح لمعجزات وعجائب للشعب، يزيل عنهم المرض والألم والعوز…
اليوم ونحن نبدأ الحلقة الأولى، ما هي النهاية السعيدة التي نرغبها؟ يسوع قالها بصراحة! هذه الرحلة ستحمل آلام لكم وليس راحة دائمة… بهذه الرحلة ستحملون صليبًا…
يسوع قالها بصراحة تامّة، والبعض فعلًا لمّا عرف الأمر، غيّر المسلسل ولم يتابع الحلقات!
آمن الناس بيسوع وتبعوه وتأسّست الكنيسة، لكن هل تعرفون تاريخيًا متى شعرت الكنيسة بنوع من الراحة؟
سنة 313 ميلاديًا، بعدما اعتنق الامبراطور الروماني قسطنطين المسيحية…
أي أنّ الذين تبعوا المسيح وآمنوا به من الجيل الأوّل ماتوا في الاضطهاد والسحق بين اليهود والرومان، والجيل الثاني والثالث والرابع وهكذا حتّى القرن الرابع ميلادي!
إذا كان الإيمان بيسوع لا يعفينا من الألم، لماذا نعيشه إذا؟ لماذا نبدأ اليوم الحلقة 1؟
في إشعياء 9: 2 آية جميلة تقول “اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.”
إذا دقّقنا بالآية سنرى أنّ الشعب الذي يكتب له إشعياء يعيش الموت فعلًا، فحتى أكثر المزامير التي نقرأها في الجناز (مزمور 23) تقول الآية فيه “الشعب السالك في الظلمة”. غير أنّ في إشعياء تشديد على صعوبة الموقف، فالشعب يشعر بأنه جالس في عالم الموت، وليس فقط يسير ويمرّ فيه. رغم كل هذا الوضع الصعب، الإيمان يُشعل شمعة رجاء بمواجهة الظلمة…
الذي يجعلنا نستمرّ في الإيمان، ونبدأ المسلسل دون تردّد، هو أنّ الإيمان لا يغيّر العالم ليحمينا نحن الضعفاء، بل يغيّرنا نحن فنصبح بالرجاء أقوياء. وهذا الذي يجعلنا نستمرّ رغم الصعوبات والآلام… وفي كلّ مرّة نتفاجأ كيف استطعنا الخروج من آلامنا وأحزاننا والوقوف على أقدامنا من جديد، هذا لأنّ لنا رجاء في إله لا يتركنا… فينزل حتى إلى الهاوية من أجلنا. آمين

القس ربيع طالب

رئيس تحرير النشرة، أمين سر لجنة الإعلام والنشرة في السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان، وراعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في علما الشعب

اترك تعليقاً