برنامج أغسطس وبرنامج يسوع (القس سلام حنّا)

(يُصادف اليوم ذكرى وفاة أوغسطس قيصر الذي توفي في 19 آب عام 14 ميلادي)
حدث ذلك مساء التاسع عشر مِن شهر آب/ أغسطس عام 14 ميلادي؛ عندما بدأتِ الأخبار تنتشر مِن قصر روما، عن تدهوُّر صحَّة الإمبراطور أوكتافيانوس (أغسطس قيصر)؛ وربَّما وفاته.
كان سكَّان روما في حالة ترقُّبٍ وتوتُّرٍ؛ للتأكُّد مِن الحقيقة أو نفيها. فهل يُمكن أنْ يموت الإمبراطور أغسطس العظيم؟
الفيالق الرومانيَّة اللِّجئون (Legions)، والجنود الرومانيُّون في كلِّ أنحاء الإمبراطوريَّة، متأهبةً لأيِّ خللٍ أمنيِّ محتمل.
ومجلس الشيوخ الرومانيُّ يُناقش كيفيَّة إدارة المرحلة؛ لتسليم السلطة لخليفته طيباريوس قيصر (الذي سُمِّيت على اسمه بحيرة طبريَّة).
كانت آخر عبارة نطق بها أغسطس قيصر: “لقد وجدُت روما مدينة مِن الطين، والآن أترُكها مدينة مِن الرخام”.
تأكَّدت وفاة الإمبراطور أغسطس قيصر في 19 آب عام 14 ميلادي، وخيَّم الحزن أرجاء الإمبراطوريَّة العظيمة التي صنعها بنفسه. أغسطس هو مَن جعل البحر المتوسط بحيرة رومانيَّة، تُحيطها روما مِن كلِّ جانب؛ وذلك عن طريق السلام الرومانيِّ (PAX ROMANA)- وهو السلام المؤسَّس على الدين الرومانيِّ، ودعم الآلهة (لذلك بُنيَت الهياكل الرومانيَّة تكريمًا للآلهة، وتثبيتًا للديانة الرومانيَّة) ويتمُّ تنفيذ ذلك السلام مِن خلال شنِّ الحروب والانتصار.
أوكتافيانوس حظِيَ بعدَّة ألقاب: فهو الإمبراطور- وهو لقب عسكريُّ يعني المنتصر، ويُعطى للجنرال العائد مِن الحرب منتصرًا؛ وهو أغسطس- الذي يعني (المعظَّم أو المبجَّل أو المعبود)، هو رئيس السلام، والمخلِّص، وابن الإله (Divi Filius) أو (son of god)؛ وليس (Dei Filius) أو (son of God).
انتشر الخبر سريعًا في أرجاء الإمبراطوريَّة الرومانيَّة؛ إلى أنْ وصل إلى فلسطين، إلى مدينة سيفوريس المجاورة لقرية الناصرة.
جاء الخبر إلى القرية عن طريق فارس رومانيٍّ، ممتطيًّا حصانه، وصل إلى ساحة القرية بالقرب مِن البئر، وأخرج ورقة بردي وأعلن وفاة الإمبراطور أغسطس، والحداد العامَّ.
هناك، تراكض صبية القرية ورجالها إلى الساحة؛ ليعرفوا ما الخبر، وعيونهم يعترِيها الخوف والترقُّب!
كان بينهم اليافع يسوع؛ ابن الخمسة عشر ربيعًا، مع يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان. وقد تركوا محلَّ النجارة؛ ليسمعوا الإعلان.
مات أغسطس قيصر، لكنَّه صنع برنامجًا مِن خلال الحرب والانتصار؛ ونَشْر الحضارة الرومانيَّة التي تهتمُّ بالأغنياء والنخبة، إمبراطوريَّة الرخام.
منذ تلك اللحظة، بدأ اليافع يسوع ابن البيت الطينيِّ القرويِّ يبحث ويتعمَّق؛ لفهم برنامج أغسطس قيصر، والإمبراطوريَّة الرومانيَّة، ومعاونوها المحلِّيِّين في فلسطين، مِن: هيرودس وأولاده، ورؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ.
كانت تدور في ذهنه أسئلة كثيرة:
– لماذا يملك قِلَّة قليلة مِن الأغنياء الأرستقراطيِّين المحلِّيِّين معظم الأراضي الزراعيَّة التي لا يعملون بها؛ بل يعتمدون على نظام العبوديَّة في استعباد الناس وبَيعِهم وشرائِهم؟ ويتحكَّمون في مصير حياة الناس.
– لماذا تنتشر البطالة والجوع والفقر المدقع والديون، ويعاني الناس مِن كلِّ أشكال القِلَّة؟
– لماذا يُبرِّر رجال الدين ما يحصل معنا؛ مِن بؤس ومرض بأنَّه بسبب خطايانا؟
هنا، بدأ يسوع بتكوين برنامجًا جديدًا، مقابل برنامج روما ومعاونوها، إنَّه- برنامج ملكوت الله:
– برنامجُ المحبَّة والاهتمام بكلِّ إنسان، كلِّ الإنسان.
– برنامجُ العدالة التوزيعيَّة لموارد الحياة، وليس العدالة العقابيَّة.
– برنامجُ السلام مِن خلال اللَّاعنف تحت أيِّ ظرف مِن الظروف.
– برنامجُ الحرِّيَّة مِن كلِّ العُقد النفسيَّة والاجتماعيَّة، والأفكار الموروثة، والعادات والتقاليد البالية التي تُسيء للإنسان.
– برنامجٌ يتمُّ العمل به مِن خلال الإيمان بالله المحبَّة، وليس مِن خلال الخوف مِن الله الجلَّاد.
– برنامجُ الوعي لحياة أفضل، أساسها فَهمٌ صحيح لله المحبَّة.
ولازال برنامج يسوع مستمرًا إلى اليوم، كطرح بديلٍ وأفضلٍ لبرنامج الإمبراطوريَّات العالميَّة وهيمنتها.

القس سلام حنا

راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في اللاذقية

5 thoughts on “برنامج أغسطس وبرنامج يسوع (القس سلام حنّا)

اترك تعليقاً