العبادة المُصلحة هي … – دايفد غامبريل

على أحد المقاعد في الكنيسة يهمس أحدُهُم «إنّ طقس العشاء الربّاني هذا يبدو كاثوليكيًا». وعلى مقعدٍ آخر يُتمتِمُ أحدُهُم: «ترنيمة التسبيح هذه تبدو خمسينيّة! هل هكذا يُصلّي المشيخيّون؟ وهل هكذا يرنّمون؟»
لا شكّ أنّكم سمعتُم مثل هذه التعليقات. و ربّما قلتُم نفس الاشياء! أثناء خدمتي في مكتب اللاهوت والعبادة في الكنيسة المشيخيّة في الولايات المتحّدة الأميركيّة، سمعتُ أشياءَ مختلفة على نفس الموضوع: «هذا يبدو كاثوليكيًا، أسقفيًا، لوثريًا، مثوديًا، معمدانيًا، خمسينيًا …» ولقد أجبتُ على ما لا يُحصى مِن الإتّصالات والرسائل الألكترونيّة مِن رعاة، و شيوخ، وأعضاء الذين يقلِقُهُم أنّ بعض الصلوات الحديثة أو القديمة أو بعض الممارسات تُذكّرُهُم بعض الشيء بالكنيسة الموجودة على الشارع المُقابِل.
خلال الثمانِ سنوات المنصرِمَة، صار عندي قلقٌ مختلِف. ويبدو لي أنّه مِن الأفضل أن نقول ما ليسَتْ عليه العبادة المُصْلَحَة ، بدل قول ما هي عليه. ما يُقلِقُني هو أنّنا نركّز على تمييز أنفسِنا عن تقاليد مسيحيّة أخرى، وبهذا نكون قد حدّدنا طريقنا إلى النسيان، والإضمحلال إلى اللاشيء!


ما هي العبادة المُصْلَحَة؟
دعونا نأخذ بعيْن الإعتبار بعض المقولات الإيجابيّة التي يُمكِن أن نضعَها عن العبادة في التراث المُصْلَح. ولِتعميم هذه المقالَة، سأضع جانِبًا ال 95 أطروحة وأعطيكم أفضل ثمانية لديّ!
أنا أضع هذه الملاحظات لا لأعلِن انتصارات فريقنا على الملأ، بل آمَل أن ألقي الضوء على بعض مواهب تراثنا، والتي لأجلِها يجب أن نقدّم الحمد والشكر – ونقدّمها بتواضع لمجد الله في «كنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة» (قانون الإيمان النيقاوي).

العبادة المُصْلَحة مسكونيّة:

لنبدأ بما لدينا. مِن أهمّ مقوّمات القوّة لتراثنا المُضلح هو أنّنا مُتمرْكِزون ومُجَهّزون لِنُشارك حكمة وعبادة الكنيسة الجامعة. و ذلِك ثلاثة أسباب على الأقلّ. أوّلاً: نحن نؤكّد أنّ لاهوت وممارسَة العبادة يجب أن ترتكِز على الكتاب المقدّس – الكتاب الذي نشارِكه مع جميع المسيحيين. هذا المبدأ يسْتَعمل كوتدٍ أحيانًا لتعريب ما هو عبادة كتابيّة أو لا، ويمكنُنا أيضًا أن نعتبره كجسر: أي مصدر لإيجاد الأرضيّة المشترَكَة.
ثانيًا: نحن نأخذ هبة و دعوة المعموديّة بِجدّية. المعموديّة تُوسّع آفاقنا فمِن خلال هذا السرّ المقدّس نحن مدعُوون إلى الكنيسة الجامِعة والتي هي جسد يسوع المسيح، وفي الوقتِ ذاتِه نحن مُوَجّهون لنذهب و نُتَلْمِذ جميع الأمم، و نُعمّدُهم باسم الآب والإبن والروح القدس.
ثالِثًا: لدينا دليل للعبادة وكتاب للعبادة، وكلاهما مُطابِق لِأُصول وِجهة النظر اللاهوتيّة المُصْلَحَة وملتزِم بالحوار المسكوني. هذه الوثائق تعلّمُنا وتُشكّلُ توتُرًا بنّاءً بين الشكل والحريّة، و تسمح لنا بأن نكتشف و نعتنِق طقوسًا دينيّة و تعابير ثقافيّة مختلِفة في العبادة.

العبادة المُصْلَحة ترتكِز على الكلِمة:

«كلُّها عن يسوع» عندما نجتمِع للعبادة، نجتمع حول حضور يسوع المصلوب والمُقام، الذي به الكلّ. يسوع هو كلمة الله – موجود منذ فجر الخليقة، تجَسّد لِيمكُثَ بينَنا، وسيأتي ثانيةً بمجدٍ لِيملك. تَظهر لنا هذه الكلمة بشهادة الكتاب المقدّس كما وأُعلِنَت لنا في كسر الخبز. وبسبب تشديدِنا على أنّ يسوع هو كلمة الله، يأخذ المشيخيّون الوعظ بجديّة – إلى جانب دراسة الكتاب المقدّس الشخصيّة، والتعليم اللاهوتيّ الجادّ والصارم للقادة، والتشكيل المسيحي العميق للجميع. وعلى نحوٍ ملائم، ومع هذا التشديد، يصف المشيخيّون أحياناً ترتيب العبادة هذا أثناء خدمة يوم الربّ كمجموعة أفعال حول الكلمة – التجمُّع، الإعلان، الإستجابة، التعهّد، الإثمار، الإتّباع. بهذه الطريقة نحن نُعلِن أنّ يسوع المسيح – كلمة الله الحيّة – هو مركز إيمانِنا، حياتِنا، وعبادتِنا.

العبادة المصلَحَة مملوءة بالروح:

أجل، لقد سمعتُم هذا بطريقة صحيحة. لطالَما أكّد اللاهوتيّون المًصْلَحون أن لا شيء في الحياة المسيحيّة أو الطقوس الدينيّة يحمِلُ ثمرًا جيّدًا إلاّ بعمل الروح القدس. لقد علّمنا سلفُنا اللاهوتي جان كالفِن أنّ الروح القدس مسؤول عن موهِبة الإيمان وتفسير الكتاب المقدّس وذلك في كتابه «أسُس الدين المسيحي -Institutes»، ولعمل نعمة الله مِن خلال المعموديّة والعشاء الربّاني. لذلك، فالمشيخيّون يستدعون قوّة الروح خلال ثلاثة لحظات أثناء العبادة: صلاة الإستنارة قبل قراءة وإعلان الكلمة، الشكر على المعموديّة، والشكر العظيم على العشاء الربّاني. بالحقيقة، نحن نؤمِن أنّ يسوع المسيح حاضر عندما نتشارك المائدة – حاضر بقوّة الروح القدس الخفيّة. حين لم يدرِك المشيخيّون دائمًا هذا الجزء العميق مِن إرْثِنا اللاهوتي، نبدأ نحن لِنرى تجديدًا للإهتمام بعمل الروح القدس في عبادتِنا وحياتِنا العاديّة.

العبادة المُصْلَحة شركة:

تبدأ العبادة بتجمّع المؤمنين كجسد يسوع المسيح – لِيرنّموا مسبحين و شاكرين، لِيعترفوا بخطاياهم، لِيسعوا وراء نعمة الله التي تعتمد حياتُهم عليها. تاريخيًا، شدّد المسيحيون المُصْلَحون على أن نقوم بالأشياء معًا – كشعبٍ واحد، صوت واحد، في مكان واحد. ليس هذا لأنّنا غير مهتمّين بالتقوى الشخصيّة أو تعابير الإيمان الفرديّة، ولكن لهذا علاقة بالقيمة العالية التي نضعها على الكنيسة كجماعة «إيمان، رجاء، محبّة، وشهادة» (كتاب النظام – Book of Order )، ودعوتنا لمشاركة مواهب الروح القدس و لِنكون جسد يسوع المسيح في العالم. مع هذا التشديد على أنّ العبادة هي «عمل الجماعة» يصحّ فهم العبادة كعمل جماعي – جسد يسوع المسيح معًا في الصلاة. مهما نرنّم، نقول، أو نفعل في أيّة لحظة في خدمة العبادة، نحن مدعوون لِنصلي بلا انقطاع – نسمع صوت الله يدعونا، صوت يسوع المسيح و شهادة الروح القدس.

العبادة المُصلَحَة إنجيليّة:

تستمرّ العبادة بإعلان الإنجيل – مشاركة الأخبار السّارّة عن الخلاص بيسوع المسيح والشهادة بقوّة الله في عملِهِ بحياتِنا وفي العالم. هذه نقطة واحدة مِن نقطتيْن مركزيّتين في العبادة المُصْلّحّة، والتي تتطابق مع أولى ملاحظات «كالفن» عن الكنيسة: «أينما نرى كلمة الله في الوعظ والإستماع. هناك، دون شكّ، وجود لكنيسة الله» (كالفن كتاب أسس الدين المسيحي Institutes، وانظر أيضًا كتاب النظام Book of Order و كتاب الإعترافات Book of Confessions). لاحِظ تركيب هذه الجملة، فإنّك تجد دعوة واستجابة، وعظ وإستماع، زرع بذور و حمْل ثِمار. تعتمد كنيسة يسوع المسيح على الوعظ المُطابِق للأصول و تلقّي الإنجيل. إذًا يبقى إعلان الكنيسة ناقصًا و غير مكتمل دون دعوة إلى التلمذة: فرصة للرجوع، للشهادة، للتغيير. يصبح الإستماع وعظًا مرّة ثانية عندما نُدعى لِنذهب ونشارك الأخبار السّارّة مع الآخرين، مُعلنين الإنجيل بالكلمة والفعل.

العبادة المُصْلَحَة أسرارية:

تستمرّ العبادة بالاحتفال بالأسرار المقدّسة – حيث عطيّة نعمة الله تمثّل قانونًا، وهي مختَبَرَة، ومُجسّدة في حياة الكنيسة، كي يتذوّق الجميع ويرَوا صلاح الله. وهذه هي النقطة المركزيّة الثانية في العبادة المُصْلَحَة، والّتي تتطابق مع ملاحظة كالفن الثانية عن الكنيسة: «أينما نرى ….. الأسرار المقدّسة تُمارَس وِفقًا لِتأسيس المسيح … توجد كنيسة الله» (كتاب أسس الدين المسيحي لِكالفن، كتاب النظام، وكتاب الإعترافات). كما هو دور الروح القدس في العبادة، هكذا يبدأ المشيخيون بتقدير معنى وسريّة الأسرار المقدّسة بطرق جديدة وحديثة. وتستعيد الجماهير العابدة إكتشاف جرن المعموديّة – علامة الحياة الجديدة والرجاء، تطهير وغفران، إنتماء وإيمان، ترحيب وولادة جديدة. إنّهم يتذكّرون الهدف الأساسي «لمائدة العائلة» – مكان دائم للتغذية بالمسيح، تجديد حياة الروح، تذكّر وعود الله وتقديم الشكر لنعمِه. وبالتالي، يجد المشيخيّون فرصًا أكثر لِتأكيد عهود المعموديّة في العبادة، و للإحتفال بالعشاء الربّاني كجزء متمّم لِخدمة يوم الربّ.

العبادة المُصْلَحَة تبشيريّة:

تنتهي العبادة بإرسال الكنيسة لِمشاركة إرساليّة يسوع المسيح في العالم – و لكن، بالطبع، لا تنتهي العبادة حقيقةً هناك. نحن نفهم أنّ الحياة المسيحيّة بأكملِها هي عبادة وخدمة لِمجد الله. العبادة تتناثر و تنساب إلى الخارج – مِن المقدّس إلى الشوارع – مثلما تستمرّ خدمتُنا لله في العالم. الفصول الأخيرة مِن كتابنا للعبادة توضح هذا. نحن نعبُد ونخدم الله مِن خلال نشاطاتنا اليوميّة وتتضمّن عبادتَنا الشخصيّة، دراسة الكتاب المقدّس، الإنضباط في الصلوات، مهنتَنا في العالم، وعاداتنا في البيت. نحن نخدم الله مِن خلال خدمتِنا ضمن الجمهور العابد، والتي تحتوي على التعليم المسيحي، الغذاء الروحي، والإهتمام الرعوي. نحن نعبد ونخدم الله مِن خلال خدمتنا في العالم والتي تتضمّن عمل الإعلان والتبشير، أعمال الرأفة، نشاطات لأجل العدالة والسلام، وقيادتنا الصالحة لخليقة الله. كلّ هذا يتماشى مع تعاليم وستمنستر( Westminister Catechism) وما تعلمنا إياه عن معنى و هدف حياة الإنسان: لِتمجيد والإستمتاع بالله للأبد (كتاب الإعترافات).

العبادة المُصْلَحَة دائمة الإصلاح:

أن نكون مُصْلَحين يعني أنّنا نؤمِن أنّ الكنيسة مدعوّة لإصلاحٍ دائمٍ ومستمرّ حسب كلمة الله، وبقوّة الروح القدس ( كتاب النظام). وهذا حقيقي بالنسبة للعبادة في التراث المُصْلَح. في كلّ مرّة نأتي فيها للعبادة – لِملاقاة الله الحي، لِسماع إنجيل يسوع المسيح، للشعور بحركة الروح القدس – نحن مدعوون لنتوب ولنتجدّد. وهذا صحيح بالنسبة للأفراد وللكنيسة ككُلّ. لذلك، نحن نعود، مرّة تِلو المرّة، إلى المكان الذي بدأنا منه – كلمة الكتاب المقدّس، الإعترافات وحكمة الكنيسة الجامعة – ونسمع دائمًا صوت الروح الذي يقودنا، مدركين معًا فكر يسوع المسيح و ساعين كي نكون أمناء في إعطاء المجد لله.
يومًا ما، وبنعمة الله، سنجد أنفسنا مُحاطين «بجمع كثير لا يستطع أحد أن يعُدّه، مِن كلّ الأمم والقبائل والشعوب والألسنة» – كاثوليك، أسقفيون، لوثريّون، مثوديّون، معمدانيون، خمسينيون، مشيخيون – « واقفون أمام العرش و أمام الخروف، متسربلين بثيابٍ بيضٍ وفي أيديهم سعف النخل» (رؤيا يوحنّا اللاهوتي 7: 9) . في ذلك اليوم، ليت الله يمنحنا نعمة أن ننشد مع جميع القديسين، «آمين، البركة والمجد والحكمة والشكروالكرامة والقدرة والقوّة لإلهنا إلى أبد الآبدين. آمين!» (رؤيا يوحنا اللاهوتي 7: 12)
ماذا يمكنك أن تضيف إلى هذه اللائحة؟ كيف يمكنك أن تصف قوى ومواهب العبادة في التراث المُصْلَح؟ لمزيد من الأفكار على هذا الموضوع، أشجّع القرّاء لزيادة مراجعة المقدمة المقترحة لدليل العبادة Directory for Worship للكنيسة المشيخيّة في الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى مراجعة الوثيقة الصادرة عام 2010 عن الشركة العالمية للكنائس المصلحة WCRC بعنوان: «عبادة الله الثالوث».

/http://DAVID GAMBRELL: https://pres-outlook.org/2015/10/reformed-worship-is/

(تعريب الشيخة إلهام أبو عبسي)

اترك تعليقاً