يسوع: الإنسان الكامل (الواعظ خيرالله عطالله)

*) من جملة الحقائق التي يقوم عليها الإيمان المسيحي أن الرب يسوع إله كامل وإنسان كامل. ولم تكن رحلة الكنيسة للوصول نحو صياغة هذا الإيمان في جملة واضحة المعالم طريقا مفروشا بالورود، لكن ماذا يعني اعتراف الكنيسة اليوم وكل يوم أن يسوع انسان كامل؟
*) يأتينا الجواب عن إنسانية يسوع من صفحات الكتاب المقدس، فيسوع ولد مثل كلّ البشر من امرأة، تعلم وتربى في بيئة شرقية في القرن الأول الميلادي ونما في القامة والحكمة والنعمة، ولما كبر ووصل سن الثلاثين أصبح معلما ينادي بملكوت الله واختبر الجوع والعطش والتعب، حزن لما مات أحد المقربين إليه، وفرح وهو يحتفل بعرس في قانا. أما على المستوى الشخصي: فقد عاش الرفض وعاش القبول أيضًا، وكان كذلك يمر بتجارب متنوعة.
وفي النهاية تمت خيانته، واعتقل وأهين وعذب، ومن ثم صلب ومات وقبر. مثله مثل أي شخص ومثله مثل أي إنسان آخر.
لذلك إذا أردنا أن نشهد عن يسوع ونقول أنه فعلًا كان إنسانًا كاملًا يحمل كل صفات البشر ومر بكل ما يمكن أن يمر به البشر باستثناء الخطيئة طبعًا، فنكون بشهادتنا هذه نقول الحق ولا شيء سوى الحق، لكننا – على الجانب المقابل للموضوع – لم نقل كل الحق.
*) إن حصرنا لتعريف عبارة (إنسان كامل) بأن نعدد صفات يسوع البشرية هو حقيقة فعلية لكنه ليس كل الحقيقة بل نصفها، أما نصفها الآخر فيتطلب منا الاعتراف أن يسوع لم يكن إنسانا لأنه مثلنا ويشبهنا وحسب، بل هو إنسان لأنه عرّفنا معنى الإنسانية الحقيقية.
فنحن كبشر لا نملك تعريفا جاهزا للإنسانية أتى يسوع وحققه فقلنا عنه أنه إنسان، بل بالعكس تمامًا يسوع في الواقع هو من عرّف لنا معنى أن يكون الإنسان إنسانًا، يسوع هو النموذج لإنسانيتنا، هو المقياس الذي نقيس به الإنسانية من عدمها.
*) في عالمنا اليوم: لا معنى للإنسانية، الآلاف يقتلون في لحظات، المشافي تدمر وتقصف. ولا أحد يتدخل ليعلن بشكل فاعل أن هذا التصرف غير إنساني.
لا أحد مهتم بالآلاف التي يأكلها الجوع ويسحقها البرد ويعمي الظلام عيونها.
لحظات وتدمّر أحياء عن بكرة أبيها، يهرب البشر إلى المشافي فتقصف وتجمع الأشلاء بالأكياس وترمى.
ومن الذي يقوم بكل هذا؟ نعم هو الإنسان.
هو الإنسان المجرد من إنسانيته، الإنسان البعيد عن الإنسان الكامل، الإنسان المملوك من الموت، الإنسان العتيق، الإنسان الوحش.
ولهذا الإنسان جاء يسوع ليعيد له تعريف الإنسانية، مستبدلا الإنسانية العتيقة الفاسدة الظالمة القاهرة بإنسانية جديدة تبارك الضعيف، تشفي المريض، ترافق المهمشين، وتقيم وليمة للخطاة والعشارين.
جاء يسوع ليستبدل الإنسانية المريضة بإنسانية تواجه الظلم باللاعنف، وتتضامن مع المسحوقين وتحييهم.
جاء يسوع ليستبدل الإنسانية أسيرة الموت، بإنسانية حرة قادرة على عيش العَلاقة مع الله وقادرة أن تخدم القريب.
جاء يسوع ليعرّف الإنسانية بأنها: “تبشر المساكين، تشفي منكسري القلوب، تنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وترسل المنسحقين في الحرية، وتكرز بسنة الرب المقبولة”. هذا هو مقياس الإنسانية الحقة، وهذا هو الإنسان الكامل بعيني الرب.
*) نحن مدعوون كأبناء لهذا الإنسان الكامل الرب يسوع المسيح، لكي نقيس إنسانيتنا به وليس أن نقيّم إنسانيته بناء على حالنا.
مدعوون أن نسعى إلى أن نصل إلى ملء قامته في الحكمة والنعمة، مدعوون أن نكون بشرا بقدر تشبهنا به وتمثلنا به، وبالأخص في هذا الشرق الذي يبدو أن يسوع هو (الإنسان الوحيد) الذي مر به وعاش فيه على مر العصور.
*) نحن مدعوون ألّا نترك يسوع وَحْدَهُ إنسانًا كاملًا بين الوحوش، بل أن نكون نحن صورته بإنسانية تسير على طريقه وتحمل رسالته في وَسْط ظلام هذا العالم وظلمه.

الأخ خيرالله عطاالله

خادم ديني في الكنيسة الإنجيلية الوطنية في اللاذقية وبانياس

اترك تعليقاً