“بعدَ كلِّ ما حَصَل” – تأمّل للقس سلام صموئيل حنا يصوّر فيه دقائق الزلزال في سورية!

القس سلام حنا

راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في اللاذقية

Image

إنها الساعة 4:15 فجراً من صباح يوم الاثنين في السادس من شباط عام 2023، السوريون الناجون من 12 عاماً من الحرب ممن اختاروا البقاء وعلقوا في بلدهم المحاصر، كانوا لحظتها في ذروة نومهم. يستلقون على أفرشتهم ويضعون فوقهم أكوام البطانيات مما تبقى من قبل الحرب ومما حصلوا عليه من مساعدات أهل الخير.
الجو صقيع، ولا فرق بين حرارة داخل البيوت وخارجها. فالكل إما بارد جداً أو شديد البرودة مع غياب معظم وسائل التدفئة وارتفاع أسعارها. ولا أحد يستطيع أن يُخرج يده من تحت اللحاف خوفاً من التجمد.
البعض القليل منهم نام من شدة التخمة، والأغلبية نامت مع معدة خاوية. 
البرق يضرب الأرض، والرعدُ يهزُّ المسامع. فيما الأمطار تنهمر بغزارة لتروي أرضاً عطشى إلى كل شيء خيِّر.
دقيقتان تفصل الجميع عن المجهول.
فالبعض من قليلي الحظ، لا يعلم أنه سيرحل بالروح إلى خارج حدود الزمان والمكان فيما سيُحمَل جسده إلى أصله في التراب (آدم)،
والبعض الآخر سينجو بأعجوبة مع إصابات جسدية،
لكن الأغلبية ستبق على قيد الحياة مع رضوض نفسية عميقة قد تأخذ شهوراً وسنوات لكي تُشفى.
تحركتْ عقاربُ الساعة نحو 4:17 وبدأت الأرض تتزلزل من الشمال، من تركيا – كما فعلت بطريقة مختلفة منذ 12 سنة – وبدأت تتحرك معها أبنية الحضارة الزائفة التي بناها الإنسان وكرَّس حياته لأجل مجدها.
استيقظ الجميعُ بخوفٍ وهلع. وتفقدوا أثمن ما عندهم وحملوه معهم وغادروا بيوتهم، أطفالٌ وحقائبُ ثمينة وأوراق. الكل للحظة أصبح متساوياً، غني وفقير، متعلم وقليل العلم. فالكل أصبح مشرداً في الشارع في الصقيع تحت المطر. يبدو أنَّنا نسينا أنْ نصلي كي لا يكون هربنا في شتاء!! (متى 24:20)
بثياب النوم خرج الجميع مع وجوه يعتريها الاصفرار، قلوبٍ تدق بسرعة، رجفان وبرودة في الأطراف، أنفاس متسارعة، أفواه جافة، عيونٌ متحيرة، عقولٌ لا تصدق، بكاءٌ وصراخ أطفال.. ولا أحد يعرف ماذا يجب أن يفعل.
لكن ما لم يفعله العقل، فعلته غريزة البقاء. لذا كان قرار الغريزة بالهرب والابتعاد عن مدنيةٍ مصطنعة تغلغل فيها فساد البشر وعن أبراج بابل وعظمتها والعودة إلى البرية حيث عاش يوحنا المعمدان وطلب قائلاً “في البريّة أعدّوا طريق الرب”. في حالة البريّة أدرك الناس فيها أن الكلَّ باطل وقبض الريح. وأن البقاء لله وحده ولمن هو مع الله.
في البريّة حيث بدأ يسوع إرساليته وتجاربه وفي موضع الخلاء حيث اعتاد أن يصلّي، علِمَ الجميع أنّه هناك الاحتمال الأكبر بأن ضرراً لن يصيبنا ولو تزلزلت بنا الأرض والجبال انقلبت في البحر من هول الصِّدام.
بعد سنوات الحرب والأزمات والحصار والعقوبات والكورونا ولحظات الزلزال، وفي حالةٍ ليس فيها شيء مقنع وصحيح، وعلى أرضِ الفالق، وبعد كل ما حصل ويحصل، نردد مع مراثي إرمياء 3:
 إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ.
هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ.
نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْجُوهُ.
طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ.
جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ.
والشكر لله دائماً

اترك تعليقاً