الميلاد كما رآه يوسف (القس مفيد قره جيلي)

       أنا يوسف خطيب مريم والدة الإله، أنا يوسف الذي ساهم كثيراً في تربية يسوع. كُثُرٌ هُم من لا يفكرون بمشاعري في تلك الأيام، يكتفون بقراءة ما قاله إنجيل متى عني بأنني كنت “باراً.” وهل البار عديم المشاعر؟ ألست رجلاً يهودياً شرقياً لي ثقافتي وعاداتي التي تربّيت عليها؟ لذلك دعوني أتحدّث عن مشاعري في أيّام الحَمْل والميلاد.
بالنسبة لمريم خطيبتي، كنت أعلم أنّني محظوظ لأنّها خطيبتي، وكما يقول الانجيل: امرأتي. كانت حسناء تملك سحراً لا نظير له، جميلة الكيان كطفلٍ بسّام، وعميقة الروح كالسماء، ونقية النفس كغديرٍ ينساب بسلاسة بين جنبات الحياة. كنت على يقين أن أبناء جيلي سيطوّبونني عليها، لكن لم أكن أعلم أن جميع الأجيال ستطوبها.
       في يوم من الأيام، جاءت إلى ورشتي حيث كنت أعمل، أومت لي أن أدنو قربها لتقصّ لي أمراً لا بد أن يكون جللاً، فكيف لإمرأة يهودية أن تحدث رجلاً في مكان عام دون خجل؟ وكيف لرجل مثلي أن يتعامل مع هكذا موقف؟ لكن، ولأنها مريم، أتيتها سريعاً وفي قلبي رجفة هزّت الأرض من تحتي. نظرت إلى عينيها ورأيت بريقاً من فرحٍ لم أعهده يوماً في عيني إنسان. لكن مع هذا، خبرها كان أشبه بسيفٍ باردٍ ينسلّ في ظهري بهدوء حارق: أنا حبلى! هذا ما كسر جدران وجداني. لا أعلم كيف تمالكت نفسي لأسألها: كيف هذا؟ فأجابت بكلمات خلّدها التاريخ، تعرفونها جميعاً: “الروح القدس حلّ عليّ وقوة العي ظلّلتني، لذلك القدوس المولود مني يدعى ابن الله!” هل تتخيّلون ما أنا به؟
أدرت ظهري لها، وعدْتُ إلى عملي؛ شعرت أنها مكثت للحظات قليلة ثم رحلت حزينة أو فرحة ما كنت لأنتبه، لكن بالتأكيد حالة الفرح التي رأيتها في عينيها لم يكن لقوّة أن تخفيها، سوى صليب من خشب يعلق عليها هذا الطفل العتيد. أمسكتُ بالمطرقة وبدأت أنهال ضرباً على الخشب حتى خُيِّل لي أنّ الخشب نفسه بات يصرخ ألماً. لكن، لا أخفي عليكم، حتى أنا البار، للحظات شعرت بطعنة عميقة في داخلي، شيطان الخيانة كان يرفرف من حولي بأجنحته الخشنة.
لكن سرعان ما هدأ روعي وبدأ الغضب يتحوّل سكينة وسلاماً فائقين، وبدأت السكينة تمسي فرحاً كالذي كان في عيني خطيبتي مريم. فقرّرت تخليتها سراً، من أجل أن أحميها. مع ذلك، لا أخفيكم، كان هناك صراع مرير في داخلي، بين حبّي لها وثقتي بها من جهة، وبين احترامي لعاداتي وتقاليدي من جهة أخرى. فكان أن ما حدث لها، حدث لي أيضاً، ملاك من الرب جاءني في نومي قائلاً: “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس.” رغم كونه حلماً، كان وقعه أكثر قوة من شروق شمس الصيف، فشعرت بارتياحٍ عميق.
مضت الأيّام، وجاء المَخاض، كُلّكم تعلمون أنه لم يكن لنا موضع في الفندق، فاستدفأَنا مذود الحيوانات. خرجت خارج الاسطبل منتظراً مضيّ الولادة على خير. لا أخفي عنكم، مرة أخرى شعرت بعدم الارتياح، كيف لي أن أتعامل مع هذا المولود الذي ليس ابني؟
وعندما تمّت الولادة، وسمعت صوت بكائه، وكأنّ أكواناً في قلبي باتت تفرح وتصفّق، حملتني أقدامي دون وعي إلى الطفل الذي سكن في حضن أمه، في تلك اللحظة علمت أنني أنظر إلى الإله ووالدته، وعرفت أنه ليس ابني، بل أنا ابنه. يا للغرابة.

اترك تعليقاً