سريرٌ وبيت؛ إيمانٌ وأمان، أم خوفٌ وشلل؟! – آنا آرتين غنطوس

مرقس 2: 1-12
في الفترة الأخيرة، امتلأت نشرات الأخبار المتلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من مشاهد الفيديو التي تتضمن صوراً مشتركة عديدة، ولكن بطريقة معكوسة، مع النص الذي نتأمل فيه اليوم والمأخوذ من إنجيل مرقس 2: 1-12 والقصة التي يتضمنها.
فالأحداث الأخيرة التي تحصل والصور التي نراها كل يوم في التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي تقود من يقرأ القصة الموجودة في مرقس 2: 1-12 لكي يتعامل معها بعيون مختلفة.
ففي هذه القصة، نقرأ عن أشخاص يقومون بنقب سقف أحد البيوت وهم يحملون شخصاً آخر مستلقياً على سرير. ولا شك بأن التنقيب والحفر والقيام بصنع فتحة في سقف ما وحمل شخص على سرير هي أمور أصبحت مرتبطة بصور مختلفة بالنسبة لنا خلال الأيام الأخيرة. فكم رأينا مقاطع فيديو لأناس يحاولون أن ينقبوا سطوح وجدران البنايات والبيوت وهم يحاولون أن يسحبوا الأشخاص العالقين تحت الأنقاض ويضعون من ينجحون في الوصول إليهم على أسرّة ويحملونها لنقلهم إلى المستشفيات.
ولكن في قصتنا في إنجيل مرقس، الأشخاص الذين ينقبون السقف ويرفعونه، لا يقومون بذلك لسحب شخص ما من تحت ركام منزل ما، ولكن على العكس من ذلك، لكي ينزلوا الشخص الذي يحملونه على سرير إلى داخل المنزل.
من جهة أخرى، في قصتنا شخص مشلول عاجز عن الحركة. والشلل شعور يسيطر علينا في هذه الأيام. فكم من مرة نشعر بأنفسنا مشلولين وعاجزين بسبب الخوف من الهزات، أو من الوضع، أو من صعوبة الظروف التي نمر فيها.
دعونا إذاً نلقي نظرة جديدة على هذه القصة في ضوء ما ذكرنا أعلاه وما نراه ونعيشه ونختبره في هذه الأيام. حيث يبدأ الإصحاح الثاني من إنجيل مرقس بزيارة يقوم بها يسوع إلى بيت ما، لا نعرف من هو مالكه، في كفرناحوم. ولكن الناس يسمعون بوجود يسوع في ذلك المنزل، فيجتمعون هناك بأعداد كبيرة، بحيث لم يعد يسع حتى ولا ما حول الباب. وكان يسوع يخاطبهم بالكلمة.
وإذ يظهر أربعة أشخاص حاملين مفلوجاً على سرير يريدون أن يحضروه إلى يسوع. ولكن لا يستطيعون لشدة الزحام حول يسوع؛ الأمر الذي يدفعهم للصعود إلى السطح، وينقبوه لينزلوا رفيقهم عند يسوع.
هؤلاء الأشخاص الأربعة كان لديهم هدف واضح، وهو أن يوصلوا رفيقهم إلى يسوع، ويضعوه قدامه.
وعندما يرى يسوع السرير نازلاً من السقف المكشوف فوق رأسه لا يستطيع إلا وأن يرى إيمانهم؛ هذا الإيمان الذي لا يستسلم أمام العقبات.
ومن الملفت للنظر هنا أن لا أحد من هؤلاء الأشخاص الخمسة ينطق بأية كلمة. ولا واحد، لا الأشخاص الأربعة، ولا المفلوج، الذي لا نعرف أساساً إذا ما كان يستطيع أن يتكلم أو لا. لا أحد فيهم يقول أي شيء ليسوع، ولا يطلب أي شيء. ولكن يسوع يرى إيمانهم. يسوع يرى إيماننا؛ الإيمان الذي لا يحتاج لأن يتكلم. الإيمان ليس بالكلام، ولكن بالفعل.
ومن الملفت للنظر هنا أيضًا أن الأشخاص الأربعة كان حتماً لديهم إيمان، لأنهم من يحملون رفيقهم وينقبون السقف ليصلوا برفيقهم إلى يسوع، ولكننا لا نعرف إذا ما كان المفلوج هو من طلب إليهم أن يحضروه إلى يسوع.
ولكن المفاجأة هنا أن يسوع لا يشفي المفلوج، ولكنه يقوم، عوضاً عن ذلك، بشيء مستفز حيث يقول للمفلوج، “يا بني، مغفورة لك خطاياك.” هل كل هذا التعب والجهد والعذاب لأجل “غفران الخطايا”؟! هل هذا ما كان يطلبه ويرجوه المفلوج أو رفاقه؟!
يسوع يعرف الحاجة الأولى للمفلوج. ففي ذلك الوقت، كان ينظر للمرض أو للمشكلات على أنها نتيجة للخطيئة. هذا كان الاعتقاد السائد لدى الناس أنذاك. وحتى في يومنا هذا، رأينا منذ حصول الزلزال المدمر الأول وحتى يومنا هذا الكثير من الدعوات للتوبة، لأن الاعتقاد السائد لدى الكثيرين هو أن الله ينبهنا ويعاقبنا.
ولهذا فأول ما يقوم به يسوع هو أن يرفع هذا السبب من فكر الناس، فيعلن للمفلوج أن خطاياه مغفورة له. ومما لا شك فيه بأن هذا الإعلان يسبب مشكلة للناس الموجودين في البيت والمجتمعين حول يسوع ويمنعون آخرين من الوصول إليه، الذين يسمعون إعلان يسوع ولكنهم يرون الشخص لا زال مفلوجاً. وهكذا نرى بأن ليس لديهم إيمان يسمح لهم بأن يروا يسوع على أنه ابن الله الذي يستطيع أن يعلن غفران الخطايا وقبول المرفوض.
في كتير الأوقات يكون هذا هو حالنا. نأتي إلى يسوع، ونكون دائماً حوله، ونسمع كلامه، ونرى أعماله، ولكننا لا نستطيع أن نقبل سلطانه الإلهي في حياتنا، لا نستطيع نسلمه سلطة كاملة على حياتنا، على أرواحنا، على أنفسنا. كثيراً ما نرفض أن نعطي يسوع مثل هكذا صلاحية.
الناس المجتمعين حول يسوع في قصتنا يقبلون يسوع ويعطونه صلاحيات محدودة، حيث أنه يشفي وتعليمه ممتع، ولكنه ليس الله، وليس لديه السطان على الحياة.
يجب أن ننتبه إلى أن المفلوج يبقى مفلوجاً حتى بعد إعلان غفران خطاياه. فكيف يكون ذلك؟ لا بد من وجود خطأ ما. لا بد من وجود سبب لحالته تلك.
عند وجود أي أمر “خطأ” في الحياة وفي العالم حولنا، نبدأ بالبحث عن الأسباب، ونبدأ بالدينونة، ندين، نفكر باسم الله، ونضع أنفسنا مكان الله.
وهنا يقوم يسوع بشفاء المفلوج جسدياً، بعد أن شفاه روحياً، فيقول للمفلوج، “قم احمل سريرك، واذهب إلى بيتك!” وهذا ما يحصل. يقوم المفلوج ويحمل سريره؛ نفس السرير الذي كان محمولاً عليه، ويذهب.
ولكن لماذا يجب أن يحمل المفلوج السرير الذي كان يرغب بالتخلص منه؟ لماذا يجب أن يحمل سريره الذي كان مربوطاً به لفترة لا نعرف إن كانت طويلة أم قصيرة؟
أتذكر عندما كنا صغاراً، كان رفاقي يقومون بتمزيق كتبهم في اليوم الأخير للمدرسة، لأنهم كانوا يريدون أن يتخلصوا من الشيء الذي كان يربطهم ويزعجهم طوال السنة.
الجواب هو أن يسوع يريد أن يعلن شفاءً كاملاً. المفلوج الذي يأتي محمولاً يخرج ويغادر وقد أصبح هو من يحمل ما كان يحمله.
ربما نشعر اليوم بأننا مفلوجين بسبب الوضع، ومشلولين بسبب الخوف. الخوف من الزلزال، من التسونامي، من الوضع الاقتصادي، من الفلتان الأمني. لم تعد بيوتنا أمكنة آمنة. يسوع يقول للمفلوج، “قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك”. اليوم، السرير والبيت توقفا عن أن يكونا أموراً تمثل الأمان بالنسبة للكثير من الناس. لكن من يغير ذلك الواقع هو يسوع.
وبالتالي، فقصتنا هذا تدعونا، كما المفلوج ورفاقه، لنذهب اليوم إلى يسوع، ولنأخذ رفاقنا إلى يسوع، دون أية حاجة لأن نتكلم أو نفسر أو نبرّر أو نبحث عن الأسباب. قصتنا تدعونا لنذهب إلى يسوع بإيمان، ونتجنّب أن نكون كالكتبة الذين يملؤون البيت ويسببون زحمة حول يسوع، دون أن يؤمنوا به كابن الله.
نحن ككنيسة مدعوون لنقوم بأمور تظهر إيماناً حياً وتشارك محبة فاعلة شافية لا كلام دينونة، واثقين بأن يسوع حتماً سيشفي أرواحنا المهزوزة والمجروحة وأجسادنا المفلوجة والمشلولة من الخوف والاضطراب.

اترك تعليقاً