القيامة والآدميّة الجديدة – الأخ حسّان ديرعطاني

الأخ حسّان ديرعطاني

خادم ديني في الكنيسة الإنجيلية الوطنية في المالكية

Image

يُقدّم العهد الجديد مجموعة من التوصيفات اللاهوتية لهوية يسوع، تعود جذورها الى العهد القديم. فيسوع هو المسيح، ابن الله، ابن الانسان، وابن داود. بالنسبة لنا ككنيسة، تجد هذه التوصيفات وغيرها ملء المعنى من خلال حياة وموت وقيامة الرب يسوع. في هذا التأمل، أودّ أن ألقي الضوء على توصيفٍ لاهوتيّ قياميّ من لاهوت الرسول بولس الذي يقدّم لنا يسوع كآدم الثاني او آدم الأخير (كورنثوس الأولى اصحاح 15).
يعيدنا الرسول بولس باستخدامه وصف آدم الى سفر التكوين حيث قصة الانسان الأول. آدم الأول هو تجسيد للإنسان الطبيعي الذي يعمل ويتسلط على الخليقة. ادم هو الانسان الذي نراه يواجه التحديات والأسئلة الوجودية العميقة في جنّة الله متمحورًا حول ذاته فيما بات يعرف بالخطيئة الأصليّة أو أصل خطيئة الانسان في ابتعاده عن دعوة الله وقصده.
لا يجب أن تقتصر قراءتنا لآدم الأول على كونه مجرّد شخصية فرديّة تتصدّر سلسلة الأنساب في بداية سفر التكوين، فكلمة “آدم” تشير أيضا الى عموم الجنس البشري في الكتاب المقدس. الرسول بولس بدوره يستخدم وصف آدم للتعبير عن حالة الوجود الانساني المقرون بعصيان الله وبالتالي بالموت والفساد.
نستطيع القول أنّ آدم الأول هو الانسان الطبيعي بما فيه من غرائز وعواطف وكيمياء، هو انسان الشرائع والعقائد، هو الكائن الاجتماعي الذي يعيش صراع البقاء ما بين حاجته للآخَر وتنافسه معه. آدم الاول محدود، ليس فقط بسني حياته، بل أيضاً بسبل فهمه لمعانيها. لطالما يصبو آدم الأول إلى بلوغ معانٍ نهائية لحياته في حدود ذاته، لكن بالحقيقة- وعلى حدِ تعبير بولس الرسول- “إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله”. باختصار يمكننا القول بأن ادم الاول هو نموذج للإنسان صورةً لذاته بعيداً عن دعوة الله.  
في مقابل آدم الأول الذي نقرأ عنه في صفحات الكتاب المقدس، يقدم لنا الرسول بولس يسوعَ المسيح بوصفه آدم الثاني او آدم الأخير. يدرك من يتعمق في لاهوت الرسول بولس تركيزه على بنوّة يسوع الالهية ومفاعيلها القياميّة أكثر من تفاصيل حياة يسوع الأرضية. تركيز بشارة الرسول بولس هو حدث يسوع الخلاصي للإنسان في كل زمان ومكان، فيسوع المسيح هو ادم الأخير غاية آدم الأول وخلاصه.
بحسب الرسول بولس فإن آدم الثاني هو الصورة النهائية للإنسانية، فهناك انسانية جديدة بقوة عمل الله. هذه الانسانية الجديدة، وآدم الثاني باكورتها، تستمد قيمَها وتضع رجاءها في الله. بعبارة أخرى ادم الجديد هو اعادة تعريف للإنسان في ضوء اختبار نعمة الله.
إذا كان آدم الأول هو تجسيد للإنسانية الطبيعية بحدودها الزمنية والمكانية، فإن آدم الثاني هو نموذج الانسانية الجديدة والمتجددة بقوة روح الله، هو الانسانية التي- وخلافا لما هو زمنيّ – تمتلك يقينًا إيمانياً تقارب من خلاله معنى وغاية الحياة.
ما بين آدم الأول وآدم الثاني نعيش الرجاء المسيحي في رحلة الحياة. نختبر باستمرار أشكال محدودية الآدمية القديمة التي تحكم احتمالية الفساد أنبل تطلعاتها، ولكن نمضي بالإيمان قُدُماً إلى حيث دعوة الله العليا في المسيح يسوع.
من يقارب الفرق بين معاني الآدمية الأولى والآدمية الثانية يعي عظمة نعمة الله التي لنا في المسيح. تلك النعمة التي تحررنا من محدودية آدم الأول، محدودية تتوضح من خلال وحدة الجذر اللغوي بين كلمة آدم وكلمة أدمة (بمعنى الأرض)، فآدم الأول الطبيعي من التراب والى التراب يعود.  
لنتذكر في عيد القيامة المجيد دعوتنا في المسيح المُقام لآدميّة جديدة، فنتعلّم كيف نواجه محدودية آدم الأول وظروفه بالإيمان. في الحياة سنتألم ولكن لدينا الرجاء، في الحياة سنضعف كأفراد ولكن نستطيع أن نتقوّى ككنيسة. في المسيح المُقام نتعلّم أن الصليب ليس نهاية القصة.

اترك تعليقاً