الإفلاس الروحي – القس فؤاد أنطون

نظرت فرأت عيناي أعمال الانسان، وإذ بها هدْمٌ واقتتال وانتقام واغتصاب وانقسام، فهل هذا ما كان يريده الله أو يتوقعه؟ لماذا حدث الطوفان إن لم يغير شيئًا في حياة الإنسانية؟ وماذا عن انذارات وتهديدات الانبياء والتي بقيت بعيدة عن السمع والنظر؟
أفتكر وأقول في نفسي، هل أصاب الله بوضعه الإنسان (آدم) في أفضل مكان في العالم دون ان يدرّبه ويعلّمه مبادئ الحياة وقبل ان يحاسبه ويجازيه؟ ام انّه ندم وإن كانت هذه الكلمة غير مرغوب سماعها، لكنّها تتكرّر في الكتاب المقدس. سفر التكوين لا يذكر حالة آدم قبل السقوط إلّا ببضع كلمات، بينما وقبل أن يبدأ يسوع خدمته وكرازته وضع برنامجًا كامِلًا لعمله، وإذا صحّ التعبير خطّة عمل وما زلنا حتى اليوم نعتبرها دستورًا ومنهجًا نسير عليه، ونحاول ان نطبّقه قدر الإمكان، وأقصد العظة على الجبل والتي تمتدّ على مدار ثلاثة إصحاحات (متى 5 و6 و7).    
بعد هذه المُقدمة أعود الى العنوان ألا وهو “الافلاس الروحي”. ويتبادر الى ذهننا الشخص المُلحد والبعيد عن الكنيسة، والذي يتجاهل حضور الله في وسطنا.  لكن بالتدقيق في المعنى الحقيقي لكلمة “إفلاس” فإنّها تعني أنّك أخذت دَيْنًا ولم تعد قادرًا على ارجاعه لصاحبه. عندما نتكلّم عن الافلاس الروحي نعني أنّ الله أعطانا أمورًا كثيرة ربّما أكثر ممّا نشتهي أو نستحق. في السماوات نجد الشمس والقمر والكواكب والنجوم، وعلى الأرض الحيوانات والطيور والنباتات والأشجار، وفي البحار والمحيطات المخلوقات الكبيرة والصغيرة.
إذا ما تعمقنا في جوهر الوجود، نجد أنّ الله قد ميّزنا عن بقيّة مخلوقاته، بأنّه خلقنا على صورته من حيث الكمال والجمال، وأعطانا العقل والحكمة وحسن التدبير، إضافة الى التسلط على طير السماء وعلى كل ما يدب على الارض وما في البحار.  لكن يبدو أنّ الانسان بطبعه ينكر فضل الله ويتجاهله، لا بل يعمل العكس وأراد ان يشارك الله في عظمته (برج بابل) وأن يهرب من دعوته (النبي يونان) وأن يهتم بشهواته وعصيانه وتمرّده والابتعاد عن الله. لكنّ الله بسبب محبته وغفرانه ورحمته لم يحاسبنا حسب أعمالنا الشريرة، بل أعطانا الطريق الصحيح للتوبة والرجوع الى أحضانه. التجسّد الالهي هو عربون محبّة وثقّة بأنّ الله لا يريد استرجاع هذا الدَيْن بل سامحنا وغفر خطايانا. الدَيْن كان مجانّي بدون مقابل، لكن الله أعادنا اليه بثمن، حتى نعرف القيمة الغالية، وأقصد كما يقول القديس يوحنا في رسالته (ودم ابنه يطهرنا من كل خطية). 
إنّها المشيئة الإلهية، والتي قبلتنا لنعود الى طبيعتنا الاصلية، ليس بسبب أعمالنا، بل بواسطة يسوع المسيح، بعيدين عن الفساد والشر، الى حيث المحبة تسود ونسير في النور بدل الظلمة ونهتم للخير والسلام ونقول مع اشعياء النبي: “فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ.” لله كل المجد بواسطة ربنا يسوع المسيح. آمين   

اترك تعليقاً