النص الكتابي: يوحنا 17
نحن اليوم أمام نصٍّ خاصٍّ ومميّز، ليس وقت العظة، ولا وقت التعليم، ولا وقت المعجزات والشفاءات، ولا وقت الأمثال، ولا وقت التجربة، ولا وقت العلامات، ولا وقت الاحتفالات، ولا وقت التجلي… إنّما وقت صلاة المسيح الأخيرة مع التلاميذ.
بعد كلام الفرح والتعزية، يختم الرب يسوع حديثه المُسهب مع التلاميذ، والذي شغل قرابة أربعة إصحاحات في إنجيل يوحنا، في صلاة علنيّة ومسموعة. وهي صلاة تختلف عن أيّ صلاة أخرى، لأنّها وداعية، وهي صلاة المسيح نفسه لأجل تلاميذه.
تُعتبر هذه الصلاة أيقونة الصلوات أو هامة الصلوات، أوج وذروة الصلوات. هي صلاة اشتياقات المسيح نحو الكنيسة، وهي أطول صلاة مسموعة على الإطلاق على فم المسيح والتي يدونها العهد الجديد.
لهذه الصلاة قُدسيّة خاصة في تاريخ الكنيسة وفي نظر المؤمنين، لأنها الصلاة الوداعية (وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ) بعد العشاء الرباني (ونلاحظ أن الإسخريوطي لم يكن حاضراً في هذه الصلاة). إنها صلاةٌ في ظلّ الصليب. هي صلاة ذاك الشفيع والسيد الكفاريّ الفريد، والذي يحمل كنيسته كجسده. لذلك نرى المسيح في هذه الجلسة الأخيرة يصلي وكأنها صلاة بركة ختامية أو صلاة العائلة… بجوٍّ حميميِّ ومقدّسٍ وخطيرٍ في نفس الوقت.
هي صلاة كهنوتية: إذ يقول كليمنت الاسكندري أنّ الرب يسوع يكشف في هذه الصلاة على أنه رئيس الكهنة الذي يشفع في شعبه، حيث يقدّم صلاته ويعد الكنيسة ويحضّرها لقبول ثمار ذبيحته الفريدة، وهي تُشكّل ذروة إعلان سرّ الوحدة بين الآب والابن.
هي أيضاً صلاة إسراريّة، أو تحمل طابع السرّ في قدسيتها، لأنّ الرب يسوع رفعها بعد تكريس العشاء الرباني. وكأن الرب يصلّي لأجل أن يُحفظ التلاميذ في النعمة التي تسلّموها في سرّ العشاء الرباني.
هي صلاة تأتي في سياق تاريخ الخلاص، فحيث أن يعقوب بارك أولاده أي الأسباط الإثني عشر، وطلب موسى بدوره البركة للشعب، يأتي الرب يسوع ليبارك الكنيسة في العالم كلّه بصلاة مملوءة بالعذوبة قبل تقديم حياته ذبيحة حبّ لأجل الكنيسة.
ما هي الصلاة؟ قيل في الصلاة أنّها المُناجاة والرابط الوثيق بين الإنسان والرب، بين المخلوق وخالقه. الصلاة هي الباعث على اطمئنان القلوب المضطربة والمتعبة. الصلاة أساس لصفاء الباطن وتنوير الروح. عرّف أحدهم الصلاة قائلاً: “الصلاة هي تنفس الإنسان المتجدّد بروح الله”. فكما يحتاج الإنسان إلى التنفّس كي يبقى على قيد الحياة، هكذا يحتاج المسيحي إلى تنفس الصلاة المتجددة بروح الله، كي تبقى علاقته مع الله على قيد الحياة. كما أن الزهرة تعتمد على نور الشمس لتستمد منها حياتها ولونها، هكذا نحن المؤمنين، نعتمد على حضور الله في حياتنا لنستمد منه هويتنا ومعنى حياتنا.
ماذا نفعل بالصلاة؟
أولاً: نحن نُقرّ أنّ حاجتنا القصوى هي لله وأنّ كل اعتمادنا عليه.
ثانياً: في الصلاة نحن نتواضع ونُقرّ بِبَشريَّتنا، وأنّنا محدودين، لأننا نُقرّ بحاجتنا إلى حضور الله في حياتنا. ففي الصلاة نحن نُقدّم الشكر لخالقنا. كولوسي 4: 2: “وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ.”
قال المُصلح مارتن لوثر أنّ سِلاح المسيحي هو الصلاة: “نحن نعلم أن دفاعنا يكمن بالصلاة. نحن ضُعفاء جدًّا أمام إبليس وخدّامه، لهذا، علينا أن نتمسك بسلاحنا الحقيقي الذي يؤهلنا لمصارعة إبليس.”
هناك أربعة مفاتيح أساسية في هذه الصلاة الوداعية: العالم، احفظهم، قدّسهم، الكلام.
أولاً، العالم: يذكر المسيح “العالم” كمفردة تسع مراتٍ في هذه الصلاة. والعالم يحمل العِداء للمؤمنين، ولا يُحضِر لهم سوى التجارب والألم. نستطيع أن نسهب كثيراً في الكلام عن العالم لكن أودّ أن أركّز على ناحية واحدة الآن. العالم مبني على الأخذ وليس العطاء. يشير الرب يسوع إلى أنّ التلاميذ أنفسهم هم عطاء الآب له. رسالة المسيح مرتكزة على العطاء وليس على الأخذ والعالم يأخذ ولا يعطي… إلى الدرجة التي نصل فيها إلى أن العالم يأخذ منا أرواحنا. هذا ما يذخره العالم للكنيسة. وعلى الكنيسة أن تعي هذه الحقيقة.
ثانياً، احفظهم: يضرع الرب يسوع ويدعو لنا لكي يحفظنا الآب من شر هذا العالم. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ مصيرنا ومستقبلنا هما في يد الآب المبارك. فصلاة المسيح هي لكي يدرك التلاميذ أنه مهما كاد لهم العالم لكن الآب يحفظهم. ويوضح الرب يسوع بأنّه لا يُصلّي لكي يأخذهم الآب من العالم بل أن يحفظهم من الشرير. وأرجو أن نذكر دائماً أنه لطالما نلتقي بهذه العقلية المغالطة وهي أنه بحجة أن الكنيسة ليست من العالم، فهي تنسحب من العالم ولا تملك أي دور في تجديد الخليقة. كما يقول أحدهم: “البشر في تيه وتخبط وعذاب، والكنيسة مغلقة بابها على نفسها ترنيم الهللويات!” لكن على الكنيسة أن تتذكر بأنها تملك دوراً ولا تنسى الدعوة السماوية التي دعيت بها.
ثالثاً، قدّسهم: إن حياة القداسة هي حياة بِرٍّ وتكريسٍ دائمَيْن. وهنا أيضاً مُغالطة كبيرة أجدها في أذهان الناس. قال أحدهم لي (لكوني قسيساً): “ثوبك يأسرك!” أي أنّه مطالَب منك أن تعيش حياة القداسة لأنك قسّيس! لقد غاب عن ذهننا أنّ ربّنا يدعونا لنكون شعباً مُقدّساً، شعب كهنة، وشعب اقتناء. لذلك يظنّ البعض أنّ ثوب الراعي يمنعه من الذهاب لبعض الأماكن ويلجمه من بعض العبارات وسواها. لكن صلاة المسيح تعلمنا أن هذا التكريس هو لجميعنا وليس لفئة واحدة فقط.
رابعاً، الكلام: نقدر أن نقول أنّ هذه الكلمة في النص تشير إلى الكتاب المقدس وهي عملياً تشير إلى الكلام الذي خاطب به الرب يسوع التلاميذ: أي تعليم المسيح نفسه. والكلمة بإيماننا هي المسيح ذاته. هذه الكلمة هي الوديعة الطاهرة الحقيقية والوحيدة التي نحن مطالبون لكي نعيشها ونحياها ونشاركها من دون زيادة أو نقصان لكي تأت بثمر يدوم. هي الكلمة التي يجب أن تكون البوصلة والمقياس اللذان نحيا بهما وبإرشادهما وليس بسواهما. ونحن نرى اليوم كيف أن الكلمة تشوّهت وتشرذمت، عِلماً أنّ الرب يسوع يدعو لكي يحفظنا الآب في وحدة، كما أنه واحد مع الآب.
إنّ آخر الكلمات هي الأشد وقعاً وهذه كانت كلمات الرب يسوع الأخيرة بمحضر التلاميذ. هل نحيا حسب هذه الطلبة الأخيرة للرب؟
دمتم معافين
القس يعقوب صبّاغ
أنابيب PEX في العراق تُعرف مصنع إيليت بايب في العراق بأنابيب PEX عالية الجودة، المصممة لأنظمة السباكة السكنية والتجارية. توفر أنابيب PEX لدينا مرونة ممتازة، وتحملًا، ومقاومة لتقلبات درجات الحرارة، مما يجعلها خيارًا متعدد الاستخدامات لمجموعة من التطبيقات. كواحدة من أفضل وأبرز الشركات المصنعة في العراق، تضمن مصنع إيليت بايب أن يتم إنتاج أنابيب PEX لدينا وفقًا لأعلى المعايير، مما يحقق أداءً وموثوقية استثنائيين. لمزيد من المعلومات حول أنابيب PEX لدينا، قم بزيارة elitepipeiraq.com.