(حوار بين مريم أم يسوع، وبين أحد القوّاد الرومانيين قرب صليب المسيح)
مريم: كان طفلًا قبل ثلاثين سنة، فقد حنوت عليه واهتممت بلباسه وطعامه، وسهرت الليالي عليه، وها هو الآن ميّت معلّق كلصّ على الصليب. أجل انّ أولئك السادة المحترمين من قضاة وجنود قتلوه. وما أكثر ما وقف في الشوارع والأسواق وبيوت الله يحدّث الناس عن طرق الخلاص. والغريب أنّهم قتلوه مع انّه كان يحبّ الجميع ويعطف على الجميع.
اواه يا ابني ها هي أمّك تبكيك، فما بالك لا تسمع بكاءها؟ ما هذه الرياح العاتية التي تهبّ عليك، انّها تجمّد أعضاءك! ليتك تقترب من صدري ففيه الدفء والحرارة. وما هذه الطيور التي ترفرف بأجنحتها حولك، انّها تفتّش عن مكانٍ تأوي اليه وقد دجا الليل بظلمته وقتامه…
أما كفى أن يكون ميلادك محفوفًا بالآلام والمصاعب، فقد ولدت في ليلةٍ باردة وفي مذود حقير، فحفظت هذا في قلبي. وأخذت تدعو في أخريات حياتك للملكوت السماوي، وتبشّر سكّان تلك المدينة العاتية فانقلبت عليك وطلبت صلبك! أجل انّ أهل تلك المدينة هم الذين قتلوك، فهم من عشيرتك وأرادوا تمزيق تاج المحبّة الذي كلّلت به هامتك. انّك ظهرت كملك، وتكمّلت كملك، وحكمت كملك… لكنّهم يعلّقونك الآن على خشبة الصليب كلصّ أثيم…
القائد: اسمحي لي أن أتكلّم، فأنا القائد المسؤول الذي نفّذ أمر القتل في ولدك…
مريم: ماذا تريد أن تقول؟ وهل عندك شيء تقوله لي بعد ما نفّذت الحكم في هذا البار…
القائد: انّني أرجو الصفح منك، فليس أثقل على المرء من أن يكون قاتلًا. لكنّ القتل مهنتي، وقد مارست هذه المهنة منذ حداثتي. انّني ورثتها عن والدي الذي ظنّ فيها مجدًا ووطنيّة. لأّنّ الممالك والعروش قامت على القتل وسفك الدماء…
مريم: ما الذي يحمل الناس على سفك الدماء؟
القائد: انّهم يريدون مالًا وقوّة وجاهًا… انّهم يريدون أن يحكموا العالم ويسودوا الممالك والبلاد! …
مريم: وهل نالوا ما أرادوا وحقّقوا بغيتهم؟
القائد: أتظنّين كذلك، فلو تمّ ذلك لما عُلّق ابنك على الصليب.
مريم: ماذا تعني، فابني قد مات على الصليب. ألا تراه معلّقًا أمامك؟!
القائد: لا أعتقد ذلك ما دام في السماء إله! …
مريم: انّني لا أفهم قصدك! فها هي دماؤه تسيل من جنبه، وأنت تعرف أنّه أسلم الروح قبل ساعات من الزمن!
القائد: انّه حيّ!
مريم: لماذا تسخر منّي؟!
القائد: أنا جندي والجنديّة مهنتي منذ حداثتي. والبلاد التي أتيت منها لا تحبّ إلّا الحروب وبناء الإمبراطوريات وتأسيس الممالك. ولطالما أحببنا أن نسيطر على العالم بالمال والتجارة، لكن لم نجن سوى الألم والمرارة والقلق والخوف. وها هي بوادر الانحلال أحذت تظهر على إمبراطوريّتنا. لكن على رسلك، فولدك الذي سخر منه اليهود وصلبوه، قد بنى مملكة لا تتزعزع أركانها. لأنّ الأرض له وهو الذي عملها وسيحكمها بالمحبّة لا بالحرب، والودعاء هم الذين يرثون العالم…
مريم: انّني أشعر أنّه عندما ولدت يسوع، بزغ نور إلهي على العالم.
القائد: انّي أرغب أن أكون خادمًا في مملكته واحد من أعوانه وأتباعه. فقد مجّت نفسي الحرب وسياسة القتل وإراقة الدماء.
مريم: أعتقد أنّ مهنتك الجديدة هذه تنهي عملك الإجرامي، وتبعث بك من الموت إلى الحياة.
القائد: إنّها مهنة ستغيّر معالم حياة جميع الناس. وأرى في ظلال الحياة الجديدة نهاية للحروب والتطاحن البشري، وسيادة للمحبّة، وبداءة لعصر سلام واطمئنان.
مريم: أجل ستشهد البشريّة عصرًا خاليًا من الآلام والآثام.
القائد: نعم… في إحياء مبادئ المصلوب بداءة للعهد الجديد، وتمهيد لمعرفة الإله القدير.
(نُشرت في النشرة سنة 1949، العدد الرابع)
- سبتمبر 15, 2017
- أكتوبر 17, 2017
- أكتوبر 17, 2017
نعم يسوع لكل الازمنه والعصور