
إن إنجيل اليوم هو حدث التجلّي، هي واحدة من تلك الأحداث العظيمة في الكتاب المقدس. إنها اختبار سامٍ على قمة جبل، حيث الملابس البيضاء الساطعة، وإيليا وموسى يتحدثان مع يسوع، والسحابة التي يتكلم الله منها.
إنها حدث عظيم لدرجة أنه قد يبدو خياليًا بعض الشيء، غير واقعي أو منطقي، وبعيدا كل البعد عن حياتنا اليومية بحيث يمكن ألا يعنينا بأي شيء. ومع ذلك، فهو واحد من الأحداث القليلة في الإنجيل، وربما الوحيد، التي يظهر مرتين في تقويمنا الكنسي كل عام، مما يشير إلى أنه مهم جدًا ويجب أن ننتبه إليها. أتساءل أين يتناسب هذا الحدث مع حياتك. هل له مكان فيها؟ ماذا يعني لك التجلي اليوم؟
أعتقد أن معظمنا يركّز في هذا الحدث على ما رآه بطرس ويعقوب ويوحنا. لقد رأوا يسوع متجلّيًا. هكذا سمعت عن هذا الحدث غالبًا. ولكن ماذا لو لم يكن هذا الحدث عما رأوه بقدر ما هو عن كيف رأوا ذلك؟ ماذا لو أن يسوع لم يتغير فجأة ويضيء أمامهم، بل رأوه لأول مرة كما كان دائمًا أمامهم؟ ماذا لو لم يكن التجلّي متعلقًا بملابس يسوع الجديدة، بل بعيونهم أو ببصيرتهم الجديدة؟
ربما يقدّم لنا هذا الحدث طريقة مختلفة للرؤية والعيش. قال ألبرت أينشتاين: “هناك طريقتان فقط لعيش حياتك، إما كأن لا شيء معجزة، أو كأن كل شيء معجزة.” أعتقد أنه يصف طريقتين للرؤية، وطريقتين للتعامل مع الحياة والعالم. الأمر لا يتعلق بما نراه بقدر ما يتعلق بكيفية رؤيتنا له.
عادةً ما تحدد طريقة رؤيتنا ما نراه. ربما هذا ما مكّن بطرس ويعقوب ويوحنا من رؤية يسوع متجلّيًا. ربما لم يكن يسوع هو الذي تغيّر، بل كانت رؤيتهم هي التي تغيّرت. لذلك سأستعير كلمات أينشتاين وأعيد صياغتها لتناسب إنجيل اليوم: “هناك طريقتان فقط لعيش حياتك. إما كأن لا شيء متجلٍّ، أو كأن كل شيء متجلٍّ.” إذا لم يكن هناك شيء متجلٍّ، فحينها “ما تراه هو ما تحصل عليه.” الحياة تصبح رتيبة. لا شيء جديد لنراه. لقد رأينا كل شيء من قبل. نعيش على السطح فقط. لا يوجد عمق، ولا قمة جبل. نحن أشخاص مسطّحون، نعيش حياة مسطّحة، في أرض مسطّحة. الحياة ذات بُعد واحد.
ولكن إذا كان كل شيء متجلٍّ، فإننا نعيش بإحساس بالاندهاش، والشغف، والامتنان. كل شيء ينبض بالحياة والحركة. كل شيء يجذب انتباهنا وفضولنا. ننفتح على اكتشافات جديدة. نعيش بتوقع مستمر، عالمين أن هناك دائمًا المزيد لنراه. نصبح أشخاصًا عميقين، وتصبح الحياة متعددة الأبعاد. لا أعرف ما إذا كان هذا التشبيه مناسبًا، ولكن ربما يمكننا التفكير في الأمر على أنه الفرق بين النظر إلى النافذة والنظر من خلال النافذة.
• عندما أنظر إلى النافذة، أفقد إدراك ما يجري حقًا. عالمي يصبح صغيرًا وعادةً ما يكون مستطيل الشكل. رؤيتي ضيقة. لا أرى أبعد مما هو أمامي مباشرةً. لا يوجد عمق، ولا غموض.
• ولكن عندما أنظر من خلال النافذة، يصبح عالمي أوسع، له عرض وارتفاع وعمق، يدعوني ذلك للدخول إلى العالم. أرى الحياة والحركة. أرى جمال العالم وألمه، كل منهما يطلب حضوري، كل منهما يدعوني للاستجابة والتفاعل. أشعر بالارتباط بشيء أكبر مني وما هو أعمق مني.
أو ربما هو الفرق بين التحديق في شيء والرؤية بعيون ناعمة. لقد اختبرت هذا الفارق بالتأكيد. كيف يكون شعورك عندما يحدّق بك شخص ما؟ إنه غير مريح. العيون التي تحدّق تكون حادة، قاسية، وضيقة. قارن ذلك بلحظة رآك فيها شخص ما بعيون ناعمة. العيون الناعمة مرحِّبة، متقبّلة، ومُشجّعة. كيف هي رؤيتك هذه الأيام؟ هل تنظر إلى نافذة حياتك أم من خلالها؟ هل ترى بعيون محدِّقة أم بعيون ناعمة؟ هل لا شيء متجلٍّ، أم أن كل شيء متجلٍّ؟
خذ مثالًا على ذلك “العشاء الرباني والعطايا” في الكنيسة. هل هي مجرد خبز، وخمر، ومال؟ أم أنك ترى أكثر من ذلك؟ هل ترى فقط الخبز والخمر، أم أنك ترى القمح، والعنب، والتربة، وضوء الشمس، والمطر، والملقّحات، والمزارعين، والخبازين، وصانعي النبيذ؟ كل ذلك وأكثر موجود في الخبز والخمر. هل ترى فقط المال في طبق العطايا، أم أنك ترى حياة الناس، ومواهبهم وقدراتهم، ووقتهم، وتضحياتهم، وإرهاقهم، وانشغالهم، وأعمالهم، وشغفهم، وطاقتهم، وعرقهم؟
عندما تنظر إلى شخص آخر، هل ترى فقط من أين جاء، وما يؤمن به، وما فعله وما لم يفعله؟ أم أنك ترى إنسانًا آخر، لديه مخاوف، وجروح، وخسائر حقيقية مثل خسائرك، واحتياجات، وآمال، وأحلام صالحة مثل أحلامك؟
إحدى صوري المفضلة هي لي وأنا أحمل ابني “ماثيو”. كان عمره حوالي ثلاث سنوات. كان يلفّ ذراعيه حول رقبتي، وجبهته مضغوطة على جبهتي. كنا وجهًا لوجه، أنفًا لأنف، عينًا بعين.
تلك اللحظة متجلّية. إنها تحمل كل شيء. ومع ذلك، هي أكثر من مجرد أب وابن. المثل القديم القائل “ما تراه هو ما تحصل عليه” ليس صحيحًا دائمًا. نحن جزء من شيء أكبر منا بكثير. هناك حضور أعظم من مجرد وجودنا نحن الاثنين. هناك أمر يحدث لا تستطيع العيون الجسدية رؤيته أو فهمه. إنها لحظة لا يمكن شرحها أو وصفها، بل فقط اختبارها.
متى كانت آخر مرة اختبرت فيها لحظة كهذه؟ متى رأيت أكثر مما كنت تنظر إليه؟ متى شعرت أنك مرتبط بشيء أكبر منك وما هو أبعد منك؟ متى شعرت بحضور أعظم من نفسك؟
ذلك هو التجلّي. كيف سيكون شكل الحياة لو عشنا بهذه الطريقة كل يوم؟ ماذا لو استطعنا رؤية واختبار التجلّي في كل مكان نذهب إليه، وفي كل شخص وكل شيء نراه، وفي كل ما نقوم به؟ ماذا لو كان التجلّي هو الواقع بالفعل، وكان كذلك دائمًا وسيظل كذلك؟
ربما لهذا السبب، في كل عام في هذا اليوم، نعود دائمًا إلى حدث التجلّي. إنه مدخلنا إلى فصل الصوم قبل احتفالنا بآلام وقيامة الرب يسوع المسيح. فصل الصوم هو فصل تصحيح رؤيتنا، وتعلّم الرؤية بعيون ناعمة، واكتشاف أن الحياة متجلّية بالفعل.
قبل بضعة أيام، أخبرني شخص ما أنه حصل على نظارته الأولى عندما كان في الثامنة من عمره. قال لوالدته: “أستطيع أن أرى أوراق الأشجار الصغيرة في شجرة السرو!” فقالت له: “لم يسبق لك أن رأيت تلك الأوراق من قبل؟ “فأجاب: “لا.” لم تكن أوراق شجرة السرو هي التي تغيّرت، بل رؤيته. أوراق التجلّي موجودة في كل مكان، لأولئك الذين لديهم عيون لترى. أنا أتطلع لأكون من الذين لديهم تلك العيون، ألا تتطلع إليها أنت أيضًا؟
هناك أوقات في حياتنا ننظر فيها من حولنا ونتساءل: “هل هذا كل ما في الأمر؟” أحيانًا يكون مجرد تساؤل عابر، وأحيانًا يستمر لفترة طويلة. ننظر إلى حياتنا وظروفنا ونرغب في المزيد. هناك قلق داخلي، وبحث، وتوق إلى شيء آخر. يمكن أن يجعلنا هذا البحث نفعل أشياء شبه مجنونة. لكن في النهاية، لا يتغير الكثير.
المشكلة ليست في ظروف الحياة، بل فينا نحن. هذا القلق، وهذه الرغبة في المزيد، تعني عادةً أننا نعيش حياتنا في المياه الضحلة، أو سطحيين فقط. أصبحت الحياة والعلاقات سطحية. العيش على السطح قد يبدو أسهل وأكثر راحة، ويُشجَّع عليه في عالم اليوم ويُكافأ أحيانًا. لكنه لا يسمح لنا برؤية العالم كما هو بالفعل—متجلّيًا، ومملوءًا بالنور الإلهي.
الحياة على السطح تبقينا أسرى أحكام مطلقة على الظروف. ننظر إلى ظروفنا كما لو كانت صورة. إذا كانت جميلة ومريحة وتُظهر لنا ما نريد رؤيته، فإننا نقول إن الله صالح، والحياة جميلة. ولكن عندما لا نرى ما نريد، نبدأ في البحث عن صورة جديدة. لكن هذا البحث القلق، وهذا التوق للمزيد، والرغبة في إيجاد معنى، لا تُجاب عادةً بتغيير الظروف. الجواب يوجد في العمق، في العلاقة الحميمة، وفي الاعتراف بضعف الرحلة الداخلية.
نحن لا نحتاج إلى رؤية أشياء جديدة، بل نحتاج إلى رؤية الأشياء القديمة بأعين جديدة. لا نحتاج إلى سماع صوت مختلف، بل نحتاج إلى سماع الصوت ذاته بآذان جديدة. لا نحتاج إلى الهروب من ظروف حياتنا، بل نحتاج إلى أن نكون أكثر حضورًا فيها. عندما يحدث هذا، لا تعود حياتنا تعاش بشكل سطحي فقط. هذه هي لحظات التجلّي، اللحظات التي تتحول فيها صورة حياتنا إلى نافذة تفتح لنا عالماً جديدًا، ونقف وجهًا لوجه أمام مجد الله.
• “الإله الفاعل”: أعتقد أن معظمنا يبحث عن الله في ظروف الحياة. نريد أن يظهر الله، أن يكون حاضرًا، وأن يفعل شيئًا. هذا هو “الإله الفاعل”، وهو الإله الذي يتحدث عنه إنجيل مرقس حتى هذه اللحظة. يمكننا التفكير في هذا على أنه الجزء الأول من الرحلة الروحية رحلة اكتشاف الله في الظروف. هذا ما كان التلاميذ يفعلونه.
لقد رأوا يسوع يطرد الشياطين، ويشفي حماة بطرس، ويشفي مرضى كفرناحوم. طهّر الأبرص، وأعاد القوة ليدٍ ذابلة. أصبح المشلولين يمشون، والعميان يبصرون، وآلاف الجياع أُطعموا. هذا هو الإله الذي يتحدث عنه الناس، الإله الذي يحصل على “إعجابات” و”مشاركات” على وسائل التواصل الاجتماعي.
• الإله الكائن: لكن في مرحلة ما، يجب أن نبدأ في اكتشاف الإله الذي هو أبعد من الظروف. هذا هو “الإله الكائن”. هذا هو الجزء الثاني من الرحلة الروحية. يأخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا إلى الجبل ليكتشفوا الإله الذي يتجاوز الظروف. هناك، ستتحول صور حياتهم وظروفها إلى نوافذ ينظرون من خلالها إلى عمق حياة الله، ونوره، ومحبته.
على الجبل، رأوا يسوع “متجلّيًا أمامهم، وصارت ثيابه بيضاء ساطعة جدًا لا يمكن لأي إنسان على الأرض أن يبيّضها هكذا.” غشيتهم سحابة، وسمعوا صوت الآب يتحدث عن ابنه الحبيب. أراد بطرس أن يبني مظالًا ليسوع وإيليا وموسى. قال: “يا معلم، جيد أن نكون هنا.” أراد أن يحافظ على هذه اللحظة، أن يلتقط صورة لها.
لكن الصور ثابتة. على جبل التجلّي، تتحول صور حياتنا إلى نوافذ ننظر من خلالها إلى عالم جديد، وطريقة جديدة للرؤية، وطريقة جديدة للاستماع، وطريقة جديدة للحياة. هذا ما حدث لبطرس ويعقوب ويوحنا. لم يكن يسوع فجأة قد أضاء أو أصبح شيئًا لم يكن عليه من قبل، بل شُفيت أعينهم وانفتحت، فتمكنوا من رؤية يسوع كما كان دائمًا. الصوت في السحابة لم يكن جديدًا، بل انفتحت آذانهم وسمعوا الصوت الذي لم يتوقف عن الحديث منذ البداية. التجلّي لم يكن يتعلق بيسوع فقط، بل كان يتناولهم أيضًا. كلما تحولت صورة حياتنا إلى نافذة مفتوحة نحو الحياة الجديدة، نكون قد دخلنا في لحظة متجلّية. لم تتغير الظروف، لكن نحن تغيرنا، ويبدو أن هذا يغير كل شيء.
هذه اللحظات المتجلّية تحيط بنا. كل واحد منا يستطيع أن يروي قصة عن لحظة ابتعد فيها عن صورة حياته، ورأى بأعين جديدة، واستمع بآذان مختلفة، واكتشف نافذة فتحت له عالمًا جديدًا وطريقة جديدة للوجود.
ربما كان ذلك اليوم الذي أفصحت فيه عن سر احتفظت به لسنوات. عندما أخبرت السر، لم تعد حياتك مجرد صورة للخجل والذنب، بل أصبحت نافذة عبرت من خلالها إلى الحرية.
لن أنسى اليوم الذي دفنت فيه والدتي. مساء وبعد عودتنا من المقبرة والتعازي، كنت مستلقيًا على السرير. لم أستطع رؤيتها، لكنها كانت حاضرًة – أم تسألني إن كنت أود أن أشرب النسكافية. لم أستطع لمسها، لكني شعرت بدفء حياتها، وعظمة عنايتها وسمو محبتها، نظرتها في عيوني وهي تعكس فرحا برسامتي بعد 11 عاما. تحولت صورة الموت والفقد إلى نافذة دخلت من خلالها إلى سر الحياة، والأمل، والقيامة.
أفكر في اليوم الذي احتضنت فيه ابنتي إيلينور لأول مرة. نعم، كان مشهدًا لمولودة جديد، لكنه كان أيضًا نافذة عبرت من خلالها، وتغيرت إلى الأبد. دخلت في دعوة جديدة كوالد. أصبحت جزءًا من سرّ الخليقة. بالتأكيد، كان مجد الله يضيء في يدي في ذلك اليوم كما أضاء على جبل التجلّي منذ 2025 عام.
أتذكر حديثي مع أخت كانت تحتضر. تحدثنا وضحكنا وبكينا معًا. أخبرتني أنها رأت رؤى وسمعت أصواتًا. سألتني: “هل هذا حقيقي؟ هل هذا طبيعي؟” قلت لها: “نعم، بالطبع.” لم تعد حياتها مجرد صورة للسرطان والمعاناة، بل أصبحت نافذة فتحت لها الحقيقة الكبرى، أنها كانت بالفعل في طريقها إلى الشفاء، حتى وسط مرضها. قالت لي: “هناك الكثير مما يجري حولنا لا نراه أو ندركه.”
هذه النوافذ متوفرة في كل مكان، إذا كانت لدينا العيون لنرى، والآذان لنسمع.
نحن نرغب غالبًا في العودة إلى تلك اللحظات المتجلّية. نحن نميل إلى بناء مظالٍ لها، لكن التعلق بالماضي يغلق أمامنا المستقبل الذي يقدّمه الله. لهذا السبب، نزل يسوع والتلاميذ من الجبل، لم يكن بإمكانهم البقاء هناك. لكن للحقيقة لم يتركوا التجلي على الجبل، بل احضروه معهم. لقد كان ما سيعضدهم وهم يعبرون الآلام والصليب نحو القيامة.
لحظات التجلّي تغيّرنا، وتدعّمنا، وتعضدنا، وتوجّهنا نحو المستقبل، بغض النظر عن الظروف التي نواجهها. لحظات التجلي تكشف لنا حقيقتنا – نحن شعب الله المتجلّي.
افتح عينيك، وانظر إلى عالم متجلٍ. افتح أذنيك، واصغِ إلى الصوت المتجلّي. افتح قلبك، وكن حياة متجلّية.
كل صورة في حياتك هي نافذة مفتوحة تقول لك: “لا، هذا ليس كل ما هناك.”.. آمين
شكرا قسيس تفسيرك للتجلي بصورة راءعة لم اسمعها من قبل الرب يبارك حياتك و تبقى ذخر لرعيتك و كنيستك
Canlı casino Şanslı Olmak İçin FreeSpin ile Yüksek Kazançlar Elde Et! Her Çevirmede Kazan! http://www.jadekusadasi.com/