استياء المسيح أم المسيحيين؟ (القس ربيع طالب)

متى 25: 31-46
ما رأيكم بالمشهد الذي رأيتموه بعد افتتاح أولمبياد باريس 2024؟ هل شعرتم بالاستياء والغضب؟ وكيف عبّرتم عن انزعاجكم؟
فجأة غزت مواقع التواصل الاجتماعي صورتان، الأولى هي لوحة العشاء الأخير للفنان الإيطاني ليوناردو دا فنشي، والثانية للمشهد من أولمبياد 2024. وفوق كل منشور تعليق من صاحبه يعبر عن الاستياء الكبير مما وصلت إليه الأمور في فرنسا، وإلى الإساءة الكبيرة التي حصلت للرب يسوع. في حين أن بعضنا اكتفى بالانزعاج، وبعضنا الآخر عبّر من خلال منشور على مواقع التواصل، لكن يوجد أيضًا من يدعو للتصرف بطريقة أكبر لرد الاعتبار على هذه الإساءة.
قبل أن نتعمق في المشهد من أولمبياد باريس… هل تعلمون أنها ليست المرة الأولى التي تُستخدم لوحة العشاء الأخير لصنع هكذا محتوى؟ انظروا لبعض الصور التي وجدتها…
في حين أنّنا نعبّر عن استياءنا من المشهد في باريس، ونعتبره إساءة لإيماننا، هل تعلمون أنّ لوحة العشاء الأخير للرسام الإيطالي نفسها، اعتبرها الكثير من المسيحيين بأنها تسيء للمسيح وللإيمان المسيحي؟
حيث اعتبر مدققون باللوحة بأنها تحمل أسرارًا وتفاصيلًا مسيئة… مثل: هذه الامرأة الجالسة بجانب المسيح… اعتبرها البعض مريم المجدلية، في حين قال آخرون هو يوحنا الحبيب. هل يقول الرسام الإيطالي أنّ يسوع كان على علاقة بمريم؟
لماذا يوجد شكل واضح في منتصف الصورة بين يسوع وما يُظن أنها مريم وكأنه رمز للرحم؟
لماذا أزيلت هالة القداسة عن رأس المسيح والتلاميذ، والتي كانت موجودة في أغلب أيقونات العشاء الأخير؟
هناك الكثير من الصور والمشاهد والأقوال والأحداث التي قد نعتبرها مسيئة لإيماننا المسيحي… لكن دعونا نتساءل اليوم: ما هو الأمر الذي يسيء فعلًا للمسيح ولإيماننا المسيحي؟
أظنّ بأنّ هناك فارق بين ما يسيء للمسيح (وما يجعل المسيح مُستاء) وبين ما يسيء للمسيحيين (وما يجعل المسيحيين مُستائين). أحيانًا كثيرة وبسبب غيرتنا على إيماننا، نحن نستاء من تعدّيات مُعيّنة ونشعر بالحاجة للغضب والدفاع عن ربنا ومعتقداتنا… دون أن نتعمّق ونسأل أنفسنا: هل الرب مُستاء أساسًا من هذا التصرّف؟
علينا أن نُدرك يا أحبّة بأنّ أكثر من دفع ثمن بتهمة “الإساءة والاستياء” هم المسيحيون أنفسهم!
لماذا صُلب المسيح بحسب الكثير من اليهود؟ لأنه برأيهم أساء لله. هم رأوا أنّ هذا الناصري أساء لإلههم حين ظهر مشابهًا نفسه بالله… أساء لإيمانهم حين تكلّم عن خراب الهيكل، الذي له رمزيته الكبيرة مثل ما تُظهر الكثير من الآيات: “وَإِذْ كَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ عَنِ الْهَيْكَلِ إِنَّهُ مُزَيَّنٌ بِحِجَارَةٍ حَسَنَةٍ وَتُحَفٍ”… “وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ” (متى 23: 16) الشعب كان يحلف بالهيكل ويقدسه، فجاء المسيح وتحدث عن خراب الهيكل… إنها إساءة بالنسبة إليهم!
لماذا قُتل ورُجم استيفانوس؟ لأنه برأي اليهود أساء للهيكل والناموس أيضًا “هذَا الرَّجُلُ لاَ يَفْتُرُ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ كَلاَّمًا تَجْدِيفًا ضِدَّ هذَا الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ وَالنَّامُوسِ، لأَنَّنَا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ هذَا سَيَنْقُضُ هذَا الْمَوْضِعَ، وَيُغَيِّرُ الْعَوَائِدَ الَّتِي سَلَّمَنَا إِيَّاهَا مُوسَى” (أعمال الرسل 6: 13)
يقول المُصلح جون كلفن: “قلب الإنسان هو مصنع للأصنام”…
نحن نحوّل عمل أيدينا لصنم! كما أنّ اليهود حوّلوا الهيكل لصنم يحلفون به ويقتلون من يسيء لحجارته، نحن أحيانًا وعن حسن نيّة نحوّل عمل أيدينا لصنم! إنها لوحة مرسومة في القرن الخامس عشر في إيطاليا، وهي لوحة من مئات وآلاف اللوحات والأيقونات للعشاء الأخير، وكل هذه اللوحات أساسًا هي من تخيّل راسميها لشكل المسيح والتلاميذ… لماذا نظنّ أنّ يسوع اليوم يقف غاضبًا على ما حصل؟
بأناجيلنا الأربعة، بكل آياتها، لا يوجد أي تشبيه لشكل المسيح، إلّا في آية واحدة… هي متى 25: 40 “فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ”…
المسّ بالمسيح والإساءة إليه تكون حين يُساء للإخوة الأصاغر. حين يُظلم الفقير ويُقتل الإنسان ويتشرد البشر… نحن نقف اليوم لندافع عن لوحة رسمها فنان في القرن الخامس عشر في إيطاليا… في وقت نعيش في شرقنا الأوسط أصعب الظروف، حيث عائلات بكاملها تُمسح وتُدفن تحت الأنقاض.
أين يتّجه وجه المسيح المُستاء اليوم؟ هل نحو باريس والمشهد الفني الرياضي؟ أو نحو شرقنا الأوسط… «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، 42 لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. 43 كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. 44 حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ 45 فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا…” آمين

4 thoughts on “استياء المسيح أم المسيحيين؟ (القس ربيع طالب)

اترك تعليقاً