مثلُ السّامريّ الصّالح هو واحدٌ من أشهر أمثال الكتاب المقدّس لا بل أكثرها شعبيّةً. إنّهُ يردُ في لوقا، ولكنّه لا يتكرّر أبداً في باقي الأناجيل الإزائيّة، ولا في إنجيلُ يوحنّا الّذي لا يحتوي بطبيعته على أمثال. يبدو لنا إنجيلُ لوقا بمجملهِ أنّهُ يظهرُ اهتماماً خاصّاً بالمستضعفين والمضطهدين المطحونين. ولأجل هذا يبدو أنّ لوقا كان حريصاً على ضمِّ هذا المثل في كتابه.
هذا المثل يسلّطُ الضّوء على حقيقة كم كان يسوعُ مهتمّاً في التّفتيش والبحث عن المنبوذين والمهملين. هو أراد أن يأتي لخلاص وإنقاذ ذات الأشخاص الّذين يحتقرهم الآخرون. بطلُ هذه القصّة غير المرجّح أو بعيد الاحتمال هو رجلٌ سامريّ. لقد كان السّامريّون لا يحظون بشعبيّة مع الكلّ، وكانوا مبغضين على الأخصّ من قبل اليهود سكّان اليهوديّة.
دعونا نتخيّل للحظةٍ شخصاً لا نستلطفهُ أو لا نحبّه. لنكن صادقين مع نفسنا ونعترف بأنّ هنالك شخصين أو ثلاثة حتّى يمكننا التّفكير بهم هنا. ربّما يكونُ شخصاً ننزعج من طريقته الفجّة في التّعامل مع الأمور. ربّما يكونُ شخصاً آذانا وأفرادَ عائلتنا. ربّما يكونُ شخصاً يختلفُ عنّا كنسيّاً ولاهوتيّاً… أو حتّى دينيّاً. مهما كان السّبب فنحن قد لا نطيق ولو ذكرهم. ولكن ماذا لو مررنا بضائقة أو ورطةٍ من نوعٍ ما؟ ربّما سيكونُ هذا الشّخص آخر من نفكّر به طلباً للمساعدة – أليس كذلك؟!
العداوة القديمة ما بين اليهود والسّامريّين تعود لثمانيّة قرون للوراء قبل زمن المسيح، وأحياناً تحدثُ عداواتٍ كهذه بين الأمم. الفرنسيّون والانكليز لطالما لم يتوالفوا مع أحدهم الآخر؛ لطالما طال الخلافُ أيضاً ما بين الهنودِ والباكستانيّين، وما بين المعسكرين الغربيّ والشّرقيّ… وكذلك الأمرُ عينهُ حينها ما بين اليهود والسّامريّين.
في سفر (الملوك الثّاني 17: 24-41)، نقرأ عن قصّة هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ، آخر ملوك مملكة اسرائيل. هوشع هذا كان القصبة الّتي قسمت ظهر البعير في عدم أمانته نحو الله. ولقد تمكّن الآشوريّون من الاستيلاء على السّامرة لأنّ الإسرائيليّين أخطأوا تجاه الرّبّ. وعندها نقرأ: ’وَأَتَى مَلِكُ أَشُّورَ بِقَوْمٍ مِنْ بَابِلَ وَكُوثَ وَعَوَّا وَحَمَاةَ وَسَفَرْوَايِمَ، وَأَسْكَنَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ عِوَضًا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَامْتَلَكُوا السَّامِرَةَ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا‘ (ملوك الثّاني 17: 24).
لقد كانت أرضُ السّامرة محصورة بين اليهوديّة جنوباً وبين الجليل شمالاً. ليس من الصّعب رؤية سبب كراهيّة اليهود للسّامريّين. جزءٌ أصيلٌ منهم كان مكوّناً من قبائل إسرائيل، وجزءٌ وثنيّ كان مكوّناً من هذه الشّعوب الّتي أتى بها الآشوريّون ووضعوهم في السّامرة. ولقد تزاوج هذين معاً، لذا فكان اليهود يعتبرونهم شبهُ أجنبيّين هجينين وشبه وثن، على الرّغم من أنّ السّامريّين كانوا يهوداً أكثر من أيّ شيءٍ آخر. وطبيعاً، كان هنالك اشتباكات بين الطّرفين على مرّ السّنين. ولوقا، بأسلوبه الأدبيّ اللاهوتيّ الذّكيّ، مهّد الطّريق وعبّدها لمثل السّامريّ الصّالح بالحادثة الّتي جرت مع يسوعُ وتلاميذه وهم في بداية رحلتهم إلى اورشليم عبر السّامرة (لوقا 9: 51-56). في تلك الحادثة ’أَرْسَلَ يسوعُ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلًا، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَ أُورُشَلِيمَ‘ (لوقا 9: 52-53). فسألاه حينها يعقوبُ ويوحنّا قائِلَيْن: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟» ولكنّ يسوعُ للعجب انتهرهما، ووأكمل طريقه إلى قريةٍ أخرى قائلاً لهما: »لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ» (لوقا 9: 55-56). دعونا نتذكّر هنا أيضاً كيف كان التّلاميذُ مندهشين ومصدومين في يوحنّا 4 عندما وجدوا يسوع وهو يتحدّثُ إلى امرأةٍ سامريّةٍ على بئر السّامرة! طبعاً بهذه الاختبارات كان مسرحُ الأحداث مهيّئاً لمثل السّامريّ الصّالح.[1]
لطالما سُؤِلَ يَسُوعُ أسئلةً ولطالما أجاب عليها بطرقٍ لا تنسى! هذه الأسئلة تطرّقت بمجملها لموضوعين أساسيّين عظيمين: إمّا أسئلة متعلّقة بالدّخول للملكوت، أو أسئلة متعلّقة بأخلاق وقيم هذا الملكوت. هي أسئلة طلبت المشورة وسعت لأخذ التّوجيه فيما يخصُّ الدّخول لملكوت الله، أو لكيفيّة العيش داخل هذا الملكوت. في لوقا 10: 25-37، ربّما أعطى يسوع أحد أكثر أجوبته المميّزة الّتي لا يمكن نسيانها على الإطلاق عن سؤال متعلّقٍ بالدّخول إلى الملكوت، وهذه هي الدّروسُ الّتي نتعلّمها:
علينا تتبع أثر اللافتات المشيرة إلى الملكوت في الكلمة المقدّسة. في هذا النّص اليوم، يقومُ ناموسيٌّ خبيرٌ في الكتب الخمسة الأولى من الكتاب المقدّس – ما يسمّيها اليهودُ التّوراة أو الشّريعة أو النّاموس – بسؤالِ يسوعَ عن كيفيّة نيل ميراث الحياة الأبديّة. لقد افترض يسوع، وكذلك النّاموسيّ الّذي سأله، بأنّ أجوبةً كهذه علينا أن نبحث عنها في الكلمة المقدّسة. لذا فجواب يسوع البدائيّ للسّؤال كان بسؤالٍ آخر وجّهه للنّاموسيّ الخبير والضّليع في اختصاصه… بأن يرجع للكتب المقدّسة نفسها… «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» ردّ النّاموسيّ وقدّم إجابةً فيها الجودة بأنّه إن أرادَ أحدُهم أن يرث ملكوت الله عليه أن يحبّ الرّبّ ويحبّ قريبه.
إرساليّةُ الله للبشريّة هي بأن نبادله محبّته وبأن نحبّ النّاس الّذين خلقهم هو. الإجابات الّتي قدّمها النّاموسيّ كانت من (تثنية 6: 5) و(لاويين 19: 18). ذكرُ النّاموسيّ لهاتين الوصيّتين على وجه التّحديد هو ليس عبثاً، فهما المفصلان اللذان يتعلّقُ عليهما حجرا الوصايا العشر؛ هما يربطان ويماسكان حجري الشّريعة معاً؛ وكلٌّ منهما يلخّصُ كلّ الوصايا… كلٌّ في حجره. طبعاً نحنُ نستطيع أن نحبّ الله لأنّه هو أحبّنا أوّلاً (يوحنّا الأولى 4: 19)، وبدون مبادرته تلك نحن لا نقدر ولا نستطيع فعل شيء نحوه. وطبعاً هذه المحبّة تجسدّت تاريخياً في أعمال الله العظيمة كالتّحرير من العبوديّة مثلاً… ولكن على الأخص وبأسمى صورها في موت ابن الله المضحّي لأجل خطايانا جميعاً وقيامته الظّافرة. يقول يوحنّا في (يوحنّا الأولى 4: 8-10): ’وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّة. بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.‘ نعم، وهنا ردّ يسوعُ على إجابة النّاموسيّ قائلاً: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا». النّاموسي لم يرض أن يتوقّف ويستسلم هنا، خصوصاً وأنّ يسوع جعله يجيب عن نفسه! فحاول المتابعة بمحاولته الإيقاع والتّفخيخ بيسوع وسائلاً: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟». وهنا أجابهُ يسوع بإجابة لا تنتسى… بمثل السّامريّ الصّالح، وبإمكاننا أن ندعو هذا المثل بقصّة الحجّاج الصّغار الثّلاثة.
هذه القصّة القويّة المؤلّفة من خمس آيات فقط تكشف أمامنا اليوم ستّة معانٍ لعبارة: “محبّة القريب!”
محبّة القريب تعني التّغاضي وصرف النّظر في استحقاق الشّخص المعني تحمّل عواقب أفعاله الرّعناء والحمقاء. الطّريقُ ما بين أورشليم وأريحا كان طريقاً محفوفاً بالمخاطر، لا بل سيّء السّمعة كشارع قطّاع الطّرق. لا يجبُ على أيّ شخصٍ السّفر فيه بمفرده أو ليلاً. لقد كانت هذه الرّحلة الّتي تبلغُ حوالي العشرين ميلاً بانحدارٍ شديد بين المدينتين (أورشليم/القدس تقع على علو 754 مترٍ عن سطح البحر). إنّها كانت رحلة غادرة مغرّرة تحفّها المخاطر مع وعورة الطّريق ووجود اللصوص وبالتّالي هناك إمكانيّة كبيرة للسّطو على الرّحلات، وخصوصاً على الأشخاص الّذين يسافرون منفردين. فعندما قام هذا الرّجل اليهوديّ بهذا التصرّف الأحمق… ألم يستحقّ جزاء ما ارتكب؟!! هكذا نقولُ نحن!
محبّةُ القريب تقتضي أن تضع نفسك نصب مخاطر شخصيّة تصيبك مباشرةً. السّؤال الّذي يتبادر إلى ذهننا بعد تلك النّقطة الأولى هو أنّيسوع لم يخبرنا في مثله أيضاً عن وجودِ أيِّ مرافقين للكاهن واللاويّ! إن كانا يسافران بمفردهما، ألن يضعا نفسيهما في مخاطر جمّة محتّمة لو توقّفا لتلبية احتياجات الرّجل المصاب هذا؟! أمّا السّامريُّ فنجدهُ أنّهُ جازف بذلك.
محبّة القريب تتطلّبُ الاستعداد للتّخلي عن الخطط الشّخصيّة وإيجاد الوقت لتلبية حاجات الرّجل المصاب. مهنةُ الكاهن كرجلِ دينٍ تطلّبت منه التّواجد في ساعاتٍ معيّنة في الهيكل لأجل الصّلاة. إن توقّف ليظهر الرّحمة، ألن يتأخّر بطريقة غير مسؤولة ليلحق الطّقوس والعبادة؟! (فضّل الذّبيحة على الرّحمة!). مهنةُ اللاويّ من جهةٍ أخرى تطلّبت منه تأمين موسيقى العبادة في الهيكل سواءً عزفاً آلاتيّاً أم غناءً وترنيماً منشداً. إن توقّف للمساعدة، ألن يضع نفسه في خطر انصباب جام غضب أعضاء جوقة الكورال عليه؟!! طبعاً كلُّ هذا إن اعتبرنا أنّ الكاهن واللاوي صاعدان باتّجاه أورشليم وهيكلها. ولكنّنا نقرأ أن الكاهن “نزل” من تلك الطّريق (آية 31)؛ أي أنّه أنهى للتّو واجباته في الهيكل وبالتّالي هو يمتلك الوقت لمدِّ يد العون. إن كانت الحالُ كذلك، فملامته أكبر. هو بالطّبع تبع قشور الشّريعة، ففي الثّقافة اليهوديّة، أيُّ اتّصالٍ ولمسٍ لجثّةٍ ينجّسُ اللامس لسبعة أيّام، فالرّجلُ بدا للكاهن واللاوي كأنّه ميّت (آية 30)، والكهنة وخادمي الهيكل خصوصاً كان عليهم تجنّب الاتّصال المباشر مع أيِّ شيءٍ نجس (سفر العدد 19). ولكنّ الكاهن واللاويّ للأسف نسيا لبّ وقلب الشّريعة، ألا وهي الرّحمة ومحبّة الله والقريب، كما أشار إليها النّاموسيّ طارح الأسئلة في بداية مثلنا. نعم يا أحبّاء، الرّحمة وتقديمها ليست دائماً سهلة ومباشرة. محبّةُ القريبُ أمرٌ صعبٌ لأنّه بالعادة لدينا أكثر من قريبٍ وجارٍ واحد، ولا يوجد لدينا متّسعٌ من الوقت لكلِّ شيء. يقولُ القسُّ واللاهوتيّ الألمانيّ ديتريش بنهوفر في كتابه ’الحياةُ معاً‘: “علينا أن نكون مستعدّين لمقاطعة برنامجنا من قبل الله. فاللهُ سيستمرُّ بقطع طرقنا وإلغاء خططنا بإرساله لنا أشخاصاً بمطاليب والتماسات ومناشدات. قد نمرُّ بهم ونحنُ مشغولون بمهمّاتنا الرّئيسيّة فنتغافلُ عنهم كما الكاهنُ واللاويُّ في مثل السّامريّ الصّالح. هم بإنجازهم لمهمّاتهم الأساسيّة مقتنعون بأنّهم يقدّمون لله الخدمة الحقيقيّة الّتي يطلبها، في حين أنّهم بالحقيقة يزدرون ويأنفون من طرق الله الّتي تبدو معوجّة من الوهلة الأولى، ولكنّها طرقه المستقيمة في الوقت ذاته.”
محبّة القريب تستوجب جلب الموارد الشخصية إلى الحد الذي يتمُّ فيه تلبية الحاجة الحقيقية للمحتاج. نعم الرّحمة أوّلاً صعبة… وثانيّاً: الرّحمة مكلفة وغالية. يكون اللطفُ لطفاً يا أحبّاء عندما يُقَدَّم ويُكمِلُ المساعدة على أكمل وجه لحين استعادة سلامة وعافية القريب. الحاجُّ الصّغيرُ الثّالث، السّامريّ، تحنّن، فاستخدم الخمر المعقّم، والزّيت الشّافي على جروح الرّجل المسافر المتأذّي بشدّة. لقد ترجّل عن حماره ليسمح للرّجل نصف الميّت بالرّكوب عليه. ومن ثمّ أتى به إلى فندق واعتنى به يوماً كاملاً، وفي الغد عند رحيله دفع مسبقاً لصاحب الفندق أجرة يومين لكي يستريح الرّجل ويستردّ عافيّته كاملةً، لا بل أعطى ضمانةً لصاحب الفندق بدفع كلّ المصاريف الّتي ستزيدُ عن ذلك لاحقاً. هذا السّامريُّ الصّالح تجاهل أجندة سفره وسلب من حساب نفقته الخاصّ لصالح رجلٍ غريبٍ (عدوّ) غبيٍّ ومجروح.
محبّة القريب تستدعي تحويل الغرباء إلى أقرباء بوضع حاجاتهم وإعوازهم فوق إرضاء الطّقوس الدّينيّة إن كان ذلك ضروريّاً. لقد أعطى يسوعُ مسبقاً ذات هذا الجواب المقتبس من سفر (هوشع 6: 6) لعددٍ من النّاموسيّين قائلاً لهم: “إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً!” الاهتمامُ بالنّاس والمشاركة في خدمات الكنيسة ليسا بالضّرورة في منافسة مباشرة محتدمة. ولكن عندما يكونُ الوضعُ كذلك أو حدث تعارضٌ بينهما، الله نفسه سيفضّل أن نوقف الطّقس لنُعنى بالعلاقات الإنسانيّة الأخويّة.
أخيراً، محبّة القريب تستلزمُ رفضنا لاستبعاد أو إقصاء أيِّ شخصٍ من دائرة حبّ الجوار وأقرباءنا من بني البشر. الّذي يسألُ سؤالاً كالّذي سأله النّاموسيّ ليسوع: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» فهو حتماً شخصٌ يريد أن يكون لديه أقل كمٍّ ممكن من الأقرباء! أمّا الله فيودُّ أن يكون لديه أكبر عددٍ ممكن من الأقرباء. يسوعُ أيضاً كهذا السّامريّ أتى نازلاً من أورشليم السّماويّة لسدِّ حاجات المبعدين والمجروحين لكي يصبحوا أحبّاء الله وأقرباءه وأولاده. ’وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ‘ (يوحنّا 1: 12)؛ وكما قال يسوع لتلاميذه في الليلة الأخيرة: ’لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي‘ (يوحنّا 15: 15). قد نجدُ الأمرَ ممتعاً عندما نبحث عن تفسير الكنيسة في بداياتها لهذا المثل. واحدة من الطّرق كانت ولا تزال أحياناً هو في فهم الكتاب المقدّس رمزيّاً. في الكنيسة الأولى منذُ زمن أوريجيانوس (185-254 م) ووصولاً إلى أوغسطينوس (354-430)، معظم التّفسير الكتابيّ كان رمزيّاً. وهكذا بهذه الطّريقة هم فسّروا مثل السّامريّ الصّالح. أوّلاً، هم حاججوا بأنّ الرّجل في المثل الّذي سقط بين اللصوص كان آدم، لأنّ آدم سقط. هو سقط في جنّة عدن كما سقط هذا الرّجل بين اللصوص. أورشليم، نظراً لارتفاعها الجغرافيّ، فهي تمثّلُ السّماء. وأريحا كانت تمثّل العالم – ’إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا.‘ اللصوص تمثيلٌ لقوى الظّلمة. الكاهن مثّل الشّريعة. اللاويّ مثّل الأنبياء. السّامريُّ الصّالح كان يسوع. الخمرُ الّذي استعمله السّامريُّ في معالجة جروحِ الرّجل هو رمزٌ لدم المسيح، والزّيت هو رمزٌ للرّوحِ القدس. لقد جلب السّامريُّ الرّجل إلى فندقٍ، والّذي هو إشارة للكنيسة. لقد قال السّامريُّ لصاحب الفندق: ’اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ‘ (آية 35) – وهنا إشارة كامنة إلى مجيء المسيح وعودته ثانيةً.[2]
نعم يا أحبّاء، لماذا لا نستطيعُ نحنُ اليوم أن نتعايش مع كلِّ ما سمعناه للتّو؟! لأنّنا نسعى باستمرارٍ للتّصغير من أحيائنا وقرانا وذلك بإقصاء واستبعاد كلّ أصناف البشر! نحنُ نقصي بعضنا بعضاً في الكنيسة الواحدة، فكيف إذاً في المجتمع؟!! ولكن دعونا اليوم أن ندرك شيئاً واحداً: هذا لا يحدث مع يسوع! بالرّغم من الإهانة الطّازجة الّتي طالته وتلاميذه من قريةٍ سامريّة رفضت استقباله واستضافته كما ذكر فوق، جعل يسوع بطل مثله اليوم “سامريّاً!!” نقطة يسوع المضمرة اليوم هي هذه: كلُّ إنسان، حتّى السّامريّين منهم وما يمثّلوه بالنّسبة لنا اليوم، يستطيعون من خلال اللطافة والتّحنّن وأفعال التّعاطف قلب الغرباء والأعداء إلى أصدقاء وأقرباء. الخدمة اللطيفة العطوفة المتحنّنة الّتي بدون قيود ستجعل النّاس تراجع وتهذّب وتنقّح مفاهيمها عن يسوع المسيح وأتباعه البارحة واليوم وغداً. هل ستصبحُ وتصبحين اليوم سامريّاً صالحاً صغيراً… عطوفاً لطيفاً حنوناً حتّى على الغرباء وعلى الّذين لا يشبهوننا؟! حينها سيختبر اللامؤمنون محبّة المسيح الّذي ’جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ.‘ (أع 10: 38).. آمين
[1] R. T. Kendall, The Parables of Jesus: A Guide to Understanding and Applying the Stories Jesus Taught (Grand Rapids: Baker Publishing Group, 2008), 168-169.
[2] R. T. Kendall, The Parables of Jesus, 173.