لا تقلق (الواعظة هالة بيطار)

يُحكى يوماً عن زيارة الموت لقرية من القرى، وبعد أن غادرها مات في هذه القرية ما يقارب الـ 1000شخص. سؤل الموت عن سبب خطفه أرواح الـ 1000 شخص فأجاب: “لقد خطفت فقط 100 شخص والـ 900 الباقيين خطفهم القلق”.
 من منا لا يعيش حالة القلق اليومي لأمور صغيرة تافهة أو كبيرة مغيّرة؟
نقلق من أجل تأمين الحاجيات اليومية من مأكل ومشرب، نقلق من أجل تأمين المدرسة المناسبة للأولادنا، حتى أننا نقلق من أجل تحصيلهم العلمي اليومي في جميع المراحل. نقلق من أجل المسكن والتنقل المناسب، قائمة قلقنا لا تنتهي ولا تحصى!
كلمة القلق باليونانية (merimnao) تعني اضطراب، وهي مؤلفة من جزئين الأول يعني انقسام والثاني يعني العقل مما يعني “انقسام العقل”، أي الاضطراب في اتخاذ القرارات.
هناك العديد من النتائج السلبية المحيطة بالقلق أولها القيام بالخيارات الخاطئة.  التي ينتج عنها: هم – تعب – ضغط نفسي…
من ناحية ثانية يمحي القلق عمل محبة الله وعمل الفرح والسلام والصبر وطول الاناة. القلق دائماً ينتج ظلمة في حياتنا.  إن كل همومنا في الحياة هي نتيجة لاتكالنا على خططنا الشخصية في حل مشاكلنا ورفض الاتكال على الله.
يُضعف القلق من صحتنا الجسدية والفكرية، إذ أنه يؤثر على الدورة الدموية وعلى نبضات القلب والجهاز العصبي. في القرن الماضي الأمراض التي تسببها الجراثيم المجهولة الهوية كانت الخوف الكبير والسبب الكبير لموت الكثيرين (ملاريا – ريقان – السل)، أما في القرن الحالي، أسباب الموت تعود إلى ضغوطات الحياة أولا التي تؤثر على عمل أعضاء الجسم. تقدم الدراسات في أمريكا الإحصائيات التالية عن أسباب الموت: 25 مليون شخص ماتوا بسبب ارتفاع بضغط الدم، 8 مليون شخص بسبب قرحة معوية، و112 مليون شخص يستعملون أدوية من أجل الضغط النفسي.
إن الحل الوحيد لكل مشاكلنا ونتائج القلق هو التوقف والاستسلام الكلي لعمل الله. في النص الذي قرأناه في الكتاب يقول يسوع في العدد 25 وهو يستعمل زمن الامر لا الطلب: “لا تقلق”، لا تهتم. إنه يأمرنا بعدم القلق عالماً ومؤكداً أنه يسد كل احتياجاتنا.
كم واحد منا عندما يفكر باحتياجاته يفكر بالله كآب، كم واحد منا هنا هو أب ولديه عائلة؟  إن كنت أنت أب وتعلم وتسعى يومياً لسدّ احتياجات عائلتك حتى ولو كانت على حساب صحتك وراحتك، فكيف بالحري الله الآب. إن كنا نحن نعلم كيف نعطي أبناءنا عطايا صالحة فكم بالحري أبوكم السماوي. إن الله الآب يعرف احتياجاتنا.
يحكى أنه كان هناك تاجرين يتناقشان عن كيفية استرداد الصحة والراحة. فقال الأول للثاني أنه وظف موظف من أجل الهموم والقلق اليومي بحيث يلقي عليه كل همومه ومشاكله لحلها ويعطيه بالمقابل 100.000 دولار شهرياً. عندها سأل الثاني الأول عن قدرته تأمين هذا المبلغ الكبير شهرياً فأجاب الأول: “دعه هو يقلق عن كيفية تأمين هذا المبلغ!”
الحقيقة أننا نملك من يقلق ويهتم لأمرنا يقول الكتاب المقدس: “ألقوا كل همكم عليه وهو يعتني بكم”. إن القلق في حياتنا يشبه النفايات التي تتراكم يومياً مسببةً روائح وأمراض وجراثيم، تخيل أنك تتخلص من هذه النفايات التي لا تحتاجها كل يوم وترميها في سلة المهملات ولا تستردها فتصبح من الماضي ولا تترك أية آثار سلبية على حياتك اليوم. إن الاتكال والتكلان على الله هو عمل يتطلب ثقة بقدرة الله في تحمله مشاكلنا وصعوباتنا. فهل تؤمن بأن الله قادر؟ هل الله هو مركز ثقتك؟ هل تؤمن أن الله أب حقيقي لك؟
لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ.  (متى 6: 33-34)
 يحكى عن طفلة كانت ترافق والدها إلى المنتزه القريب من المنزل، وفي كل مرة يصطحبها كانت تذهب بحماس لتلعب في ألعاب الملاهي للأطفال والكبار، ولم تكن تخشى من أخطر الألعاب وأكبرها. عندما كانت صغيرة بعمر الخمس السنوات كانت تُقبل على كل الألعاب المخيفة وتفرح بها، ولكن عندما أصبحت في ال 8 من عمرها، بدأت تتردد حتى أنها رفضت بعض هذه الألعاب مفضِّلة الألعاب المخصصة للأطفال في عمرها. فسألها الوالد عن السبب، فردّت عليه قائلة: “أصبحت قادرة على قراءة كلّ التعليمات المكتوبة قبل كل لعبة”.
 نحن بطبيعتنا نقلق وننشر فكر القلق في تعليمنا اليومي وهذا له أبعاد الإيجابية في حياتنا لحد ما، ولكن دعونا نزرع أيضاً بتعليمنا فكر الإتكال على الله وطرح الخوف. دعونا نحاول غرس هذا الفكر في مناهج حياتنا اليومية وعكس ثقتنا بالله الحاضر الكلي القدرة. دعونا نضع ملكوت الله في أولوياتنا وفي كل خطى حياتنا، دعونا نصدق أن الملك الحياتي اليومي هو لله وسيستمر هذا الملك للأبد حتى أبديتنا. غيروا في حياتكم وطريقة عيشكم لتليقوا بأن تكونوا أبناء الله، هذا هو التحدي اليومي.
الدعوة اليوم موجهّة لنا جميعاً لتغيير حياتنا وعائلاتنا وكل من حولنا لنتمركز حول الثقة التامة بعمل الله في حياتنا، لنلقي كل همنا عليه وهو يعتني بنا.

اترك تعليقاً