كُنْ نَسراً واهزِم آلامَك (القس ابراهيم نصير)

هناك الكثير من المُعاناة والألم في هذا العالم الذي نعيش فيه، ربّما تعاني من مرض أو فقَدْتَ وظيفتك، أو توفي أحد أفراد أسرتك، أو صلاتك تستغرق وقتًا طويلاً لتُستجاب، ورغم بذلك قصارى جهدك، فإن حالتك هي نفسها لا تغيير. على أحد الجوانب، أنت ابن لله، وتفعل كل ما بوسعك، لكن على الجانب الآخَر، ليس لديك إجابة على الألم الذي تمرّ به. أنت تسأل أين الله عندما أتألم؟“.

يقول أحدهم: أتذكّر عندما كنتُ يافعاً، تقدَّمتُ لامتحان قبول لألتحق بإحدى الجامعات المهمّة، وكان لديّ الكثير من الخطط التي وضعتها بناء على تفوّقي في الامتحان. بدأتُ بدراسة إمكانية الالتحاق بجامعات مهمة، واختيار الاختصاص الذي يؤمِّن لي مكانة راقية في المُجتمع. لكن حدث ما لم يكُن في الحسبان، لم أتجاوز إحدى أجزاء الامتحان، وبلَمْحةِ نَظَرٍ طارت أحلامي، لقد انتهى عالمي، ولم أعرف لماذا حدث ذلك. فأنا مهندس مُتخرج حديثاً، تمّ اختياره من أهم شركات التطوير العقاري في أوروبا ليعمل فيها. استخرجت جوازاً للسفر ودفعت كافة الرسوم المطلوبة، وبدأت بتحضير نفسي لأخذ تأشيرة الدّخول المطلوبة. وبعد بضعة أسابيع اكتشفتُ بأن تأشيرتي قد رُفِضَت بسبب رفض أوروبا لسياسات حكوماتنا. فتحطَّمَت أحلامي، لم أكن أعرف لماذا؟ لم أحصل على أيّ جواب لماذا هذه المُعاناة والألم؟ ربما لديكم نفس السؤال اليوم أين الله عندما نتألم؟

يعتقد كثير من الناس أن الله وضعهم في مواجهة حياة صعبة وأعطى بعضٌ آخَر حياة سهلة. نشعر أحيانا أنّنا نعاني أكثر بكثير من الآخَرين، لكن للأمانة هذا ليس هو الحال ببساطة، فكلّ شخص لديه صعوبات خاصة به. قد لا يكون لأصدقائك المشكلة نفسها التي تواجهها، وقد تكون مشاكلك تختلف بالمُطْلَق عن مشاكلي وصعوباتي. لكل فرد نصيبه الخاص من التَّحديات والآلام، لكن الرب وعد بأن يكون معنا ويُحرّرنا من كلّ مشاكلنا.

في (مزمور 34 : 18-19) “قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ. كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا الصِّدِّيقِ، وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ الرَّبُّ“. في الكتاب المقدس، من إبراهيم إلى داوود إلى يوحنا الرسول، الجميع متُضرِّر ومُتألِّم، جميعهم عانوا من آلام وتحديّات، لكنّهم خرجوا من مشاكلهم كأبطال إيمان، أقوى، وأسمى. هذا لا يعني أن الله يتمتَّع بآلامنا. في عالم الخطية الذي نعيش فيه، هناك آلام، لكن الله سوف يحرّرنا من تلك التَّحديات.

(1) الله يمتحن قلوبنا في آلامنا

هل نؤمن ونثق به ونحن في خِضَمّ الألم والمُعاناة؟ هل نؤمن بوعود الله عندما تبدو الأمور كلّها مُستحيلة؟ هل نؤمن بالله عندما لا نفهم خُططه وطُرقه من أجلنا؟ يمكن أن تكون الامتحانات التي نواجهها اختبارًا لإيماننا. في (تثنية 8: 2) “وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟“. كل امتحان مَرَّ به الشعب العبراني في رحلتهم من البحر الأحمر إلى أرض الميعاد، كان اختبارًا لإيمانهم. كان الله يتفحَّص قلوبهم من ناحية إخلاصهم من نحوه.

كلّنا يعرف التجربة التي اختبرها شدرخ وميشخ وعبدنغو في (دانيال 3: 16-18) “فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ وَقَالُوا لِلمَلِكِ: «يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ“. وكنتيجة لذلك، تم توثيقهم وطرحهم في الفُرن الذي تضاعفت حرارته سبع مرَّات. كان الجميع يراقب هذه العقوبة بمن فيهم الملك نفسه، فلاحَظ الجميع أن هناك شخص رابع في النّار معهم. انظُر ماذا قال الملك: (دانيال 3: 25-27) “حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ وَقَامَ مُسْرِعًا فَأَجَابَ وَقَالَ لِمُشِيرِيهِ: «أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَال مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟» فَأَجَابُوا وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ». أَجَابَ وَقَالَ: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ». ثُمَّ اقْتَرَبَ نَبُوخَذْنَصَّرُ إِلَى بَابِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَجَابَ، فَقَالَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اخْرُجُوا وَتَعَالَوْا». فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. فَاجْتَمَعَتِ الْمَرَازِبَةُ وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَمُشِيرُو الْمَلِكِ وَرَأَوْا هؤُلاَءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ، وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ، وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ“. لقد امتحنهم الله واستطاعوا أن يثبتوا إخلاصهم لإلههم، وها نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين ما زلنا نذكرهم. وفي (دانيال 3: 30) “حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي وِلاَيَةِ بَابِلَ“. عندما نختبر آلاماً وجروحاً، الله موجود هناك يمتحن قلوبنا، لكن هناك دائماً سموّ وترقّي عندما نثق بالله. كل أولئك الذين يختبرون آلاماً قاسية، عليك أن تعي بأنه في حال وثقت بالله فهناك ترقّي في انتظارك، أليس هذا ما قد حدث مع شدرخ وميشخ وعبدنغو.

(2) الله يوجهنا في آلامنا

الله يوجّهنا، ربما دون أن ندرك ذلك، عندما نكون في مواجهة وجه قاس من أوجه الحياة. في (1 ملوك 17) نجد النبي إيليا يخضع للنبوة التي تلقّاها، والتي طالبه الله فيها بالانتقال إلى نهر كريث بسبب المجاعة التي أصابت المنطقة. حيث كانت الغربان تقدّم له الطعام خُبزاً ولحماً صباحاً ومساءً، ويستقي الماء من النَّهر أو المطر. وعندما جاع وعطش الناس، سُدِّدت حاجاته نبي الله إيليا، ولم يجوع أو يعطش. وعندما توقّف المطر وجفَّ النَّهر، وتوقَّفت الغربان عن جلب الطَّعام فجأة، أصبح إيليا في مشكلة كبيرة. لا عمل، لا إرسالية، لا طعام، لا ماء. هل يمكن أن نتصوَّر الأفكار التي هاجمته؟ يا إلهي، ترسلني إلى نهر كريث وكل ما أراه من حولي هو جفاف مُرعب!”. لعله شعر بالاستسلام، وأنه وصل إلى نهاية الطريق.

عندما نحلّل هذه الحدث في العمق، نجد أن هذا الألم أنتج تغييراً. لقد أرسل الله إيليا إلى صرفة حيث قامت أرملة بالاعتناء به. عندما جَفَّ النَّهر، أعدَّ الله كل ما يحتاجه إيليا في صرفة. فالله يوجه إيليا إلى وجهة جديدة مُختلفة. في بعض الأحيان نختبر الألم والأذى فيقودنا ذلك إلى حِراك مُختلِف، ربّما فقدتَ وظيفتك أو تخلَّى عنك من كنت تظنّه صديقاً، لا تستسلم لآلامك وأحزانك، انظر بالإيمان، وثق أن هناك مستقبلاً أعظم هو في طريقه إليك.

(3) الله يقوّمنا في آلامنا

يمكن لله أيضاً أن يستخدم آلامنا ليُصحِّحنا ويُقوِّمنا، خاصة عندما نكون مُخطئين. لقد ضللنا وسقطنا في واقع الخطيئة من خلال اتّخاذنا خيارات خاطئة، وبالتالي نحتاج إلى تقويم الله. تمرّد يونان على وصية الله، وقرر أن يأخذ وجهة معاكسة لإرادة الله. وأخيراً، ألقي به في وسط البحر. كان في حُكم في وسط البحر. لكن الله صالح ومراحمه على كل أعماله، حتى قبل أن يتمكّن يونان من التّوبة، رتّب الله له طريقة وحافظ عليه حياً على قيد الحياة في البحر. أدرك يونان معصيته، فتاب فأخرجه الله من واقعه وأعاده إلى الاتّجاه القويم الذي أراد الله أن يتبناه يونان.

هل تذكرون مثَل الابن الضّال الذي أخذ نصيبه، وانطلق إلى بلد بعيد، وأضاع ثروته في حياة الشّهوات والخطايا؟ مجاعة شديدة أصابت تلك البلاد التي استوطنها، فأضاع تلك الثروة، وأصبح وهو الغني مُحتاجاً. لذا، ذهب وبدأ البحث عن فرصة عمل في بلدة هو غريب عنها، فأرسله من استعبده أو استأجره إلى حقوله لإطعام الخنازير. كان يتوق لملء بطنه من الخرنوب الذي كانت تأكله الخنازير، ولكن حتى ذلك بدا بعيد المنال. إنها خياراته الخاطئة، خطاياه أوصلته إلى هذا الواقع الذي لا يطمح إليه أحد. وأخيراً، تفاقمت المشاكل وتضاعفت المصاعب فشعر بهزيمة كبيرة، وقرّر تصحيح موقفه وسلوكه، فعاد إلى منزل أبيه. اختار العودة كعبد أو أجير، لكن أباه قبله كابن.

عندما نتعمّد الابتعاد عمّا نعرف أنه على صواب، لن يتخلى الله عنّا وسيُعيدنا إلى حالة الصّواب؟ في (عبرانيين 12: 5-6) “وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: «يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ“. كلّنا ارتكبنا أخطاء وخطايا، كلّنا اتّخذنا خيارات غير سليمة مثل يونان، لكن ذلك لا يُغير الله. إنّه يحبّنا وما زال يتطلّع لنكون أقرب إليه. إن استطعنا أن نتوب، فهو سوف يغفر لنا ويُخرجنا من مصاعبنا ويقومنا.

قد يقول أحدكم يا حضرة قسيس أنتَ لا تعرف الأخطاء التي ارتكبتُها، أنتَ لا تعرف واقعي، لقد ذهبتُ بعيداً جداً عن الله ولا أستطيع العودة إليه“. صحيح أنا كراعٍ ربما لا أعرف إلى أيّ حدِّ وصَلتَ في خطاياك، لكني أعرف أن الله الفادي غافر الخطايا، وهو سيقوّم حياتك ولن يتخلّ عنك أبداً. ربّما كشف الله أصدقاءك السّيئين، أو كشف معاييرك المُزدوجة أو خطاياك الباطنية، لكن عليك أن تتذكّر، هذا ليس وقت المرارة رغم وجودها بالنسبة لله، إنه الوقت الذي سيُسخِّره الله ليقوّمك ويُعيد إليك الابتهاج والفرح.

(4) الله يحمينا في جروحنا من آلامنا

يسخّر الله أحيانا الفشل والمشاكل التي نواجهها فيتدخل ليحمينا. من الواضح أن يوسف في العهد القديم كان الابن المفضّل. وبسبب هذا التَّفضيل أو التَّميز، عانى من حقد وكراهية أخوته، لدرجة أنهم لم يتردّدوا في بيعه كعبد مذلول إلى قافلة تجارة كانت متوجّهة إلى مصر. كل ذلك حدث بسرعة كبيرة، في لحظة واحدة من ابن مميَّز ينال كلّ ما يريد، إلى عبد مقيَّد في سلاسل يُعرَض للبيع في سوق للنخاسة وبيع العبيد.

لا يمكن أن تكون الحياة سيئة وظالمة كما كانت مع يوسف. يوسف شعر بالذُّل، الوحدة، الاحتقار، والرّفض، لكن الله سخَّر هذا الواقع المُرّ والمُؤلم لغرض وهدف أسمى. لقد خلصه من العبودية وجعله حاكماً في مصر، فأصبح الرجل الثاني في السُّلطة من بعد فرعون. وبعد سنوات عديدة، وفي أشد الأوقات قسوة، مجاعة لا ترحم، يقابل يوسف إخوته الذين توجَّهوا إلى مصر مُتوسلين أن يبتاعوا طعاماً. لم يكن لديهم أية قناعة بأن هذا الحاكم المصري الذي سيقفون متوسلين أمامه سيكون يوسف أخاهم. وأخيرًا عندما كشف يوسف عن حقيقة هويته لأخوته، خافوا خوفاً شديداً، ولم يعودوا يتوسلون من أجل طعام، بل من أجل الحفاظ على حياتهم حتى لا يثأر لنفسه ويقتلهم.

في (تكوين 45: 7-8) نجد ردّ يوسف الصّاعق لكلّ التوقعات: “فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَلِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً. فَالآنَ لَيْسَ أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ“. لا شكّ أن يوسف شعر بجروح وآلام وهزيمة بسبب بُعده عن عائلته، لكنّه في ذلك اليوم أدرك أن الله أخرج صلاحاً من وسط آلامه، وعمل على حمايته. الآن يرى يوسف ما لم يستطع أن يراه سابقاً، لقد حصل على منظور جديد. هل نعي الآن بأن ما أصاب يوسف من آلام واختبارات مرهقة، قلب الله موازينها فأدّت إلى إنقاذ حياة عائلة يوسف؟ في (تكوين 45: 5) “وَالآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا، لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ“. هل تمُرّ بصعوبات جمَّة؟ هل تعاني ممَّا يُسمَّى وجع القلب؟ هل المصاعب أو الأذى في الحياة لا يتخليان عنك؟ سجل عندك واعلم، أن الله سيقلب ذلك ويسخّره من أجل حمايتك.

(5) الجروح والآلام تجعلنا نعتمد بالمُطلق على الله

لنعترف أننا في بعض الأحيان لا نرى وجه الله ما لم ننسحق ونتألم، وهناك ونحن نتعلم أن نثق به ونعتمد عليه بالمطلق. لنتأمل الرسول بولس في معاناته التي يتحدث عنها في (2 كورنثوس 1: 8-9) “فَإِنَّنَا لاَ نُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ضِيقَتِنَا الَّتِي أَصَابَتْنَا فِي أَسِيَّا، أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا. لكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا حُكْمُ الْمَوْتِ، لِكَيْ لاَ نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ“. يقول بعض اللاهوتيين إن مُعاناة بولس كانت الشَّغب الذي أصاب مدينة أفسس المذكور في (أعمال الرسل 19). كان جميع المسيحيين في تلك المدينة مهدَّدين وحياتهم في خطر. لا شك أن بولس الرسول عانى من توتّرات عاطفية لا طبيعية، ومن تهديدات بالقتل. يقول تثقَّلنا جداً فوق الطّاقة، أي أنه كان قد سحق تمامًا وبشكل لا يمكن تحمّله، وأُحبِط إلى أدنى ما يمكن للروح البشرية أن تصل إليه. ذلك يعني أقصى درجات اليأس. لكنه لم يستسلم لليأس بل يضيف قائلاً: ولن يقودنا ذلك إلاَّ للاعتماد على الله الذي يقيم الموتى. يشير بولس بوضوح إلى أن جروحنا وآلامنا ويأسنا يجب أن تقودنا إلى إعادة تركيز انتباهنا على الله.

وبعد اجتيازه في الآلام يقول في (2 كورنثوس 4: 8-9) “مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ“. وبجرأة شديدة يؤكد بأن الأذى والمصاعب والشدائد لا يمكن أن تدمّر ابنا لله، لكنّها في الحقيقة ينبغي أن تبعث فينا روح التَّحدي. لا تسمح لآلامك أن تهزمك أو تسحقك بل قاومها. آمين! اجعل من معاناتك سببا لتعيد تركيز ثقتك وإيمانك بالله.

الخلاصة: إن الله يعمل في حياتك حتى عندما لا تدرك أو تعي ذلك. إنه معك في وسط عواصف حياتك، إنه يرافقك لتسمو فوقها متجاوزاً ذاتك.

ختاماً، هل تعرفون أن النسر لديه حاسة تعرّفه بقدوم العاصفة؟ عندما تهاجمه العاصفة فإنه لا ينكسر أمامها بل يستخدمها ليحلّق عالياً. بينما تكون العاصفة تدمّر كل شيء يواجهها، تكون بقوّتها ترفع النّسر ليحلّق عالياً. حيث يسخّر الرّياح، ليس فقط لينجو من العاصفة بل ليحلّق فوقها. هكذا نحن عندما تهاجمنا عواصف الحياة علينا أن نسخّرها لنحلق عالياً ونسمو بأفكارنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله الرب يسوع. كُن نسراً وحلِّق بسلطان الله لترتفع فوق عواصف حياتك.

اترك تعليقاً