قسطنطين للنشرة: “حجم الحضور الإنجيلي أكبر من حجم عدد الإنجيليين”

مقابلة أجراها القس أمير إسحق مع الأستاذ سمير قسطنطين
 
إجازة في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركيَّة – بيروت 1982 وحاصِل على ماجيستير إدارة أعمال من جامعة سامفورد – أميركا 1984 ومؤسِّس مؤسَّسة “وزنات” للاستشارات، التي تعمل كاستشاري 170 مؤسَّسة في لبنان، مَدارس ومُستشفيات ومُنظَّمات غَيْر حكوميَّة وشَركات تجاريَّة.
كيف تُقيِّم العمل الإنجيلي في لبنان؟
العمل الإنجيلي في بلادنا قديم جداً، يعود إلى ما قَبْل قَرْن من الزَّمان. ونستطيع أن نراه في وجهَيْن: الوَجْه الأول مُؤسَّساتي، تربوي ثقافي. فالإنجيليون لهم حضور قوي ومُتميِّز في لبنان، وحَجْم حضورهم أكبر كثيراً من حَجْم أعدادهم. قَبْل الإنجيليين في لبنان لَمْ تكُن هناك مدارس أنغلوسكسونية، فيعود لهم الفَضْل في إدخال اللغة الإنكليزية وثقافتها إلى لبنان. فهم روَّاد لَمْ يسبقهم أحدٌ في هذا المجال، بينما بدأ الآخَرون في مرحلة لاحِقَة في إنشاء مدارس أنغلوسكسونية. وأيضاً الجامعات التي بدأت تُعلِّم باللغة الإنكليزية، أسَّسها مُرسَلون إنجيليّون، مثل الجامعة الأميركيَّة، والجامعة اللبنانيَّة الأميركيَّة. هذا بالنِّسبة للوجه الأول المُؤسَّساتي الثَّقافي التَّربوي، أمَّا الوَجْه الثاني المؤسَّساتي الاجتماعي، فالحضور الإنجيلي فيه خافِتٌ. لا يوجد مثلاً مستشفى إنجيلي بالمعني الدَّقيق للكلمة. لكن هناك عمل إنجيلي اجتماعي مُتميِّز بَيْن النَّازحين السُّوريين. لكن إذا تحدَّثنا عن منظَّمة غير حكوميَّة تابعة للكنيسة الإنجيليَّة، مِثْلَما نقول إنَّ “كاريتاس” هي الذِّراع الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية، فلا يوجد ما يُقابلها للكنيسة الإنجيليَّة في لبنان. ومع ذلك نقول إنَّ هناك إمكانيَّة وحاجة لعَمْل ذلك.
أمَّا إذا قيَّمنا الجانب الكنَسي، فهُناك جماعات إنجيليَّة مُنْفَتِحة تَقْبل المُخْتلف عَنْها بسُهولة، وتَذْهب إلى حوارات معهم، وتَعْتَبرهم شُركاء في جسد المسيح وفي الوطَن. فالإنجيليون في مَجْلس كنائس الشَّرق الأوسَط، خصوصاً في مرحلة البدايات، كانوا الأكثر حضوراً وتأثيراً. بَيْنَما هناك إنجيليّون يرون أنَّ الآخَر ليْسَت له قيمة إلاَّ إذا كان بحَسَب مواصَفات معيَّنة يَضَعونها. في هذا الجانب أُشير أيضاً إلى زَرْع كنائس إنجيليَّة في مناطق فيها كنائس إنجيليَّة أخرى. فأيُّ شيءٍ أهَمّ عند الإنجيليين، أنْ تكون عندهم كنائس إنجيليَّة مُتعدِّدة في مَنْطِقة واحِدَة لجماعات مُتعدِّدة، أمْ تكون عندهم كنيسة تَفْتَح أبوابها للجميع وتَضُمّ الجميع؟ لا نَسْتطيع أنْ نرى في ذلك الأمْر إلاَّ التَّنافس، ولا أعتقد أنّ فيه خَيْر الجماعة.
ما رأيَك في تصريحات البابا فرنسيس، لاسيما الأخيرة منها، التي تتعلَّق بعلاقة الكنيسة الكاثوليكيَّة مع البروتستانتيَّة؟
باعتقادي أنَّ مرور آخِر ثلاث باباوات على الكنيسة الكاثوليكية (البابا يوحنا بولس الثاني، البابا بينيدكتوس، والبابا فرنسيس) قد أعطى مِثالاً ونموذجاً موفَّقاً، ساهم في تطوُّر العلاقة بَيْن الكاثوليك والبروتستانت. وبدَوْره أخذ البابا فرنسيس مُبادَرَة مُوفَّقة رُغْم عدم الإجْماع الكليّ داخل روما عليها. لكن في جميع الأحوال، تَبْقى سُلْطته ويَبْقى مَوْقعه أهْلاً لنَجاح هذه الخطوة الجريئة التي اتَّخذها، حبَّذا لو اتُّخِذَت سابقاً. وقد أتَت هذه الخطوة الجريئة في هَدْم جدار أعْلاه خلاف الطَّائفتَيْن بناءً على رؤية جدِيَّة. آخِذاً بعَيْن الاعتبار أنَّ نقاط التَّوافق ما بَيْن العقائد والمُمارسات ونَوْع الحياة، أكثر بكثير من الاختلافات. إنَّ خطوة البابا فرنسيس قد انْطَلَقَت من جُرْأة ورؤية وقرار، قلَّما نجد أناساً يملكون ما يملكه لاتِّخاذ هكذا مُبادَرة. ولا يغيب عن ذهنِنا ذلك التَّرحيب والاهتمام الكاثوليكي الألماني، اللذين لَمْ يحدث كنوع من المُسَايَرة أو الانْجِرار اللإرادي الباهت.
وأنا شَخْصياً أعْتَبر أنَّه كان مِن المُمْكن تَفادي ذلك الخِلاف الذي قام بَيْن لوثر والكنيسة الكاثوليكية في القَرْن السَّادس عشر، وتَجَنُّبَهُ. فلو كُنْت أنا مكان الكنيسة الكاثوليكيَّة، لما تَعَجَّلتُ في طَرْد مارتن لوثر مِنْها. ولَوْ كُنْتُ مكان مارتن لوثر، لما قَبِلْتُ الخروج من الكنيسة، مهما حدث لي، بل أعمل على نَشْر طاقة إيجابيَّة وتأثير إيجابي داخل الكنيسة وليْس خارجها. لكنَّ السُّؤال الذي يَطْرَح نَفْسَه للإنجيليين والكاثوليك: “هل هناك اسْتِعْداد لتَقَبُّل الآخَر واعتباره شَريكاً في بناء الملكوت؟ أمْ أنَّ كلاّ مِنَّا يَعْتَبر الآخَر مُختلفا عنه، ومُختلفا معه في بعض العقائد، ولا يُمْكن الشَّركة والاتِّحاد معه؟”. إنَّ نَظْرة كلا الطَّرفَيْن هي التي تُحدِّد نَوْع العلاقة القائمة. ونحن نتفاءل كثيراً عِنْدما نجد أُناساً من الكنيستَيْن مُستعدّين للتَّفاهم والحوار، رُغْم أنَّ الكثيرين مُغالون ويتَحَفَّظون ويُبْقون أنفُسَهم بعيداً، باعتبار الآخَر مُخْتَلفاً. هذه النَّظْرة هي واحدة من المواقف المسْؤولة عن تراجُع المسيحيَّة في العالَم.
لو كُنْتَ مكان لوثر وأنت في القَرْن الحادي والعشرين، ماذا كُنْتَ تُضيف إلى ال95 بَنْداً وتُعلِّقهم على باب الكنيسة؟
فيما يتعلَّق بالكنيسة الإنجيليَّة كنتُ أوَدُّ أنْ أرى:
(1) هَرَمِيَّة أوْضَح: بالنَّظر إلى أيَّة مُؤسَّسة إداريَّة، ليْسَت بالضَّرورة روحيَّة، سَوْف نجد تركيبة هيكليَّة هرميَّة واضحة. لكن الكنيسة الإنجيليَّة تَفْتَقِر لتلك الهرميَّة، تَحْت رايَة تَجنُّب نفُوذ رجُل الدِّين. وأنا لا أرى أنَّ القسيس الإنجيلي أقلّ نفوذاً من كاهن الرَّعيَّة في الكنائس الأخرى. أتحدَّث عن الهرميَّة لتكون هنالك مُحاسَبة ومُساءَلة. قد نرى، على سبيل المثال، أشْخاصاً لا يَنْتَمون مُباشَرة إلى السّينودس الإنجيلي، لكنَّهم يخدمون ويُبشِّرون على الطَّريقة الإنجيليَّة، ولا يستطيع أحد أنْ يتدخَّل ويسأله أو يَمْنَعه. هذا الأمْر يُضْعف حركة السّينودس أو المجْمَع الأعلى للطّائفة الإنجيليَّة، لعَدَم وجود هَرميَّة واضِحَة.
(2) البُعْد الاجتماعي في الخِدْمة: لقد أُنْشِئَت المدارس الإنجيليَّة في الأساس من أجْل التَّبْشير. لكنَّها الآن تقوم بعَمَل تربوي في الأساس، ومن ثمَّ نَشْر الرّوحيّات والتَّعريف بيسوع المسيح. وعدا خدمة المدارس، لا توجد خدمة اجتماعيَّة بالمعنى الواسع للكلمة ما خلا النشاط القوي الذي ظهر في السنوات الخمس الأخيرة بين النازحين، سوريين كانوا أمْ عراقيين. والخدمة الاجتماعيَّة لا تَقْتَصِر على توزيع الحِصَص الغذائيَّة، بَلْ الانْخراط في تنمية المجتمع بشَكْل أوْفَر وأوضح وأكثر تركيزاً.
وفيما يتعلَّق بالكنيسة الكاثوليكيَّة؟
(1) أود أن أرى في الكنيسة الكاثوليكية، وتحديداً على مستوى الكهنة تشجيعاً أكبر للمؤمنين لكي يعتمدوا الكتاب المقدَّس مَرْجعيَّة. هذا التشجيع في الكنيسة الكاثوليكية للمؤمنين قد يكون أكثر وضوحاً خارج لبنان، خُذ مثلاً على ذلك الولايات المتحدة الأميركيّة. هذه المرجعيَّة غير واضحة في أذهان الناس بشكلٍ كافِ في لبنان على ما أعتقد. هي موجودة على مستوى القناعة العليا أكثر مما هي موجودة عند الناس.
(2) الاهتمام الرّوحي بالأفراد، ممَّا يُساعد على تحفيز الدَّعوات الكهنوتيَّة والرهبانية، وتمييز مَنْ يتقدَّم لهذه الخدمة لجهة التزامه الواضح والنهائي.
س4: ما هي أهمّ النَّصائح التي تقدِّمها لقسيس إنجيلي، ليكون أكثر تأثيراً وفاعليَّة في خدمته؟
قسطنطين:
(1) عليك انْتِقاء العبارات البَسِيْطة التي تُشْعِر مَنْ يَسْمَعها بأنَّه ليْس على مُسْتوى ضئيل من المعرفة.
(2) قَلِّل من الشَّرح العقائدي في كلّ حديث وكلّ مُناسَبة. التي مِن الصَّعْب على المُسْتَمع أنْ يَفْهمها ويَقْبلها.
(3) افْرَح لأيّ عَمل روحي تقوم به كنيْسَة أخرى. فهناك جماعات مسيحيَّة رائعة، يَدْرسون الكتاب المقدّس ويُسبِّحون الرَّب.
(4) اجْعَل الوحدة التي بَيْنك وبَيْن زملائك من القُسوس واضِحَة.
(5) لا تهتمّ كثيراً في وَعْظك بمُهاجمة بعض مَلذّات الحياة مِن شُرب الكأس والبيرة والتَّدخين.
(6) خَفِّف من النَّقْد الموجَّه للطَّوائف الأخْرى ومُهاجَمَتها.
(7) تَحدُّث عن المسيح الشَّافي الفادي الخادم، وعن التَّعزية وفَرَح السَّماء، أكثر من التَّركيز على دينونة الله وغَضَبه كما يظهر في كثير من الوَعْظ والكلام.

اترك تعليقاً